كثيرا ما نذكر تونس التي قادت ثورات الربيع العربي في معرض إستحضارنا للقصص المأساوية التي تدفعنا لمزيد الخوف علي مصر، ومشهد إغتيال شكري بلعيد أمام زوجته وأولاده يوجع القلب ويشل العقل ويروع نفوسنا أكثر مما روعت نفوس أسرة بلعيد وكل الأسر التونسية. لكني اليوم لن أكتب عن هذه المأساة، ففي نفوسنا ما يكفي من الألم والحسرة ،بل ما يعنيني هو الجزء الايجابي في الأزمة. وقد يتساءل أحد.. وهل هناك أي مظهر إيجابي في هذه المأساة؟! والإجابة هي: نعم! لقد إنحاز رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي لجموع القوي السياسية في المعارضة وأغلبية الرأي العام في بلده ،وأعلن أولا إستقالته من المنصب الرفيع في حركة النهضة الإسلامية التي يقودها الشيخ راشد الغنوشي، فيما يبدو أنه خلاف داخل الحركة بين قادتها وبين الجبالي الذي يقود إئتلاف الترويكا الحاكمة في تونس . ثم أعلن الجبالي أيضا أنه سيقوم بتشكيل حكومة من التكنوقراط، ليس منهم فرد واحد من حزبه الإسلامي، مطمئنا الرأي العام أنه لن يفاجئهم بتعيين أي مسئول من النهضة حتي زوج إبنة الشيخ الغنوشي الذي يشغل منصب وزير الخارجية حاليا، ولا وزير الداخلية "العريض" الذي قضي سنوات طويلة في سجون النظام السابق وعين علي رأس الداخلية في حكومة مابعد إنتخابات الثورة. أما القرار الثالث للجبالي فهو عدم الترشح لمنصب الرئيس أو قبول أي منصب آخر لأنه سيتولي مع الفريق الحكومي الجديد من التكنوقراط الإعداد للإنتخابات التشريعية والرئاسية القادمة . من الواضح أن النهضة في تونس ترفض هذا القرار وربما تسعي لإفشال هذه القرارات وعلي رأسها الغنوشي.لكن موقف الجبالي هو مايجب إستحضاره في مصر الآن ،حيث نحتاج من القيادة السياسية وبالتحديد من الرئيس مرسي أن يستيقظ من ترويج الوهم للمصريين وينحاز للغالبية العظمي من شعبه مثلما فعل شقيقه الإخواني في تونس، ويمد يده لمن يمدون أيديهم له ويستمع لنداءات المعارضة قبل همس ونصائح الجماعة، لأن مصر مهما فعلت الجماعة من محاولات إستحواذ علي المؤسسات ومراكز القرار والوزارات والهيئات الحكومية وكل موقع ووظيفة عليا لن ترضخ! إن الأوطان تحتضن كل أبنائها ،لكنها أيضا قادرة أن تدوس من يحتكرها أو يستأسد بالسلطة ليبتلعها.تلك كانت الحكمة التي صرخت الثورة والثوار بها وإقتلعت بسببها نظام مبارك والحكيم من يفهم الحكمة ولا يعيد التجارب المقيتة الفاشلة. ولدينا في حمادي الجبالي المثال الحي الجديد. فهل يعقلها مرسي ويتوكل؟!