لاشك أن العدوان علي غزة يرتبط إلي حد كبير بالتطورات الجارية في المنطقة، فإسرائيل تختار الوقت المناسب لتحقيق أهدافها ولقد وجدت الفرصة سانحة أمامها لشن عدوان ضار علي غزة بدأته في 14 نوفمبر الحالي وجدتها إسرائيل فرصة لإعادة ترميم مبادرة قوة الردع لاسيما مع حرص "نيتانياهو" علي تحقيق انجازات علي الأرض توفر له فوزا ساحقا في الانتخابات المبكرة التي تعقد في يناير القادم ولهذا كان يتعين علي الدول العربية بذل كل جهد لوقف أي صراعات ووأد الفتن لقطع الطريق علي إسرائيل كان علي الدول العربية لملمة الجراح والسعي لحل أزمات دولها سلميا وتتصدرها الأزمة السورية. كان بإمكان العرب لو أنصفوا التوصل إلي حل سلمي للأزمة في سوريا بيد أن هذا لم يحدث وعلي النقيض رأينا تصعيد المواقف في اجتماع المعارضة السورية في الدوحة لينتهي الأمر بعد مباحثات شائكة امتدت لعدة أيام إلي تشكيل مايسمي الائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة السورية والذي بادر وأعلن رفضه لأي حوار مع النظام السوري كان الاجتماع بمثابة إعلان حرب طغت عليه الدعوة إلي الاستمرار في تسليح المعارضة بأسلحة متطورة وغاب عن هؤلاء الاجابة عن سؤال يقول: تسليح من ولأي هدف؟ ولن نذهب بعيدا فلقد شهد شاهد من أهلها عندما تحفظ "أوباما" علي مد المعارضة بالسلاح خشية من دخول جماعات متطرفة علي خط العمل المسلح للمعارضة فتكون هذه الأسلحة ضد أمريكا في المستقبل بل إن "جيفري فيلتمان" مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية حذر خلال شهادته أمام الكونجرس من أن تسليح المعارضة سيكون بمثابة صب الزيت علي النار مشيرا إلي التداعيات الخطيرة والدموية التي يمكن أن تنجم عن ذلك، الغريب هو موقف فرنسا اليوم فقد سارعت في أعقاب اعترافها بالائتلاف المعارض كممثل شرعي وحيد للشعب السوري إلي المطالبة بمد المعارضة بالسلاح. وهو الموقف الذي يناقض موقفها منذ عدة أشهر عندما حذر "آلان جوبيه" وزيرخارجيتها من تسليح المعارضة علي أساس أن ذلك سيقود إلي نشوب حرب أهلية في سوريا لاسيما أن الشعب السوري منقسم بشكل عميق وامداد المعارضة بالأسلحة سيعني حربا أهلية بين المسيحيين والعلويين والسنة والشيعة وعندئذ سيكون الأمر بمثابة كارثة افدح بكثير من الكارثة القائمة اليوم ولقد كان غريبا أن يخرج "معاذ الخطيب" رئيس الائتلاف الجديد وهو داعية إسلامي في الأساس ويحمل لقب شيخ ليطالب بمد المعارضة بأسلحة نوعية متطورة فكيف لشيخ من المفترض أنه إصلاحي أن يدعو إلي إشعال المواقف وصب الزيت علي النار لاسيما أن الحرب هنا ليست ضد إسرائيل وإنما ضد السوري العربي المسلم والمسيحي؟ وكان الأمل أن يحافظ "الخطيب" علي مواقفه الوطنية التي كانت له في السابق عندما قال: "إنني أحزن لكل تابوت يخرج من الجيش الذي بنيناه بعرق الجبين" أما موقفه الجديد بعد أن ترأس الائتلاف المعارض فلقد أظهر المعارضة التي يرأسها بوصفها صناعة أمريكية في الأساس معارضة خارجة عن السياق جاءت بترتيبات خارجية لتدمير الوطن. ويجب ألا يغيب عن أي فطن الانقسامات التي تعاني منها المعارضة المحسوبة علي الخارج وهو ما أسقط مصداقيتها بعد أن تعرضت للتفتيت والتشرذم وعليه فإن هذا الائتلاف سيكون علي غرار المجلس الوطني السوري أو "مجلس اسطنبول" اي سيؤول أمره إلي أن يصبح مجلسا معطلا بفعل شخصيات وتيارات سياسية تعمل لمصلحتها الشخصية علي حساب الدم السوري الطاهر. من الضروري بمكان لأي عاقل أن يحذر من تسليح المعارضة لأن ذلك من شأنه إذا حدث أن يزج بالسوريين في أتون معارك لا ينتج عنها سوي الدمار كما يجب علي الدول العربية المؤثرة والتي هيمنت علي الصورة واضطلعت بمعالجة القضية أن تكون حذرة من دخول البعد الطائفي علي خط التعاملات اليومية فلقد بدأت الأزمة السورية كنوع من التدافع الداخلي بين قوي سورية ذات رؤي متباينة تحولت مع الوقت إلي صراع إقليمي ودولي حول سوريا بين الشرق والغرب وبين العرب وإيران وكان الأولي بالجميع لاسيما من يدير دفة معالجة الأزمة السعي إلي التهدئة في المواقف والتركيز علي ضرورة انبثاق نظام ديمقراطي كامل مع ادماج جميع المواطنين باختلافاتهم الدينية والعرقية في إطار دولة القانون والمواطنة. ولا شك أن الوضع في سوريا الآن قد بات معقدا بعد أن دخلت عليه أطراف خارجية يتصدرها الغرب بالإضافة إلي دول مؤثرة مثل السعودية وقطر وتركيا تبنت وللأسف السيناريو الذي رسمته أمريكا لمعالجة الأحداث في سوريا، فلقد زاد هؤلاء من تعقيد الموقف وسط عمليات الشحن والتصعيد والتحريض من القوي الغربية ضد النظام السوري وكان لزاما علي الدول العربية ودول الخليج بصفة خاصة الالتفاف من أجل اطفاء النيران المشتعلة ودفع الطرفين النظام والمعارضة نحو السعي لحل سياسي من خلال حوار بناء لانقاذ ما يمكن انقاذه. وفي ظل أوضاع مثل هذه كان (طبيعيا) أن تستغل إسرائيل انشغال العرب بإعلان الحرب علي سورية لتشن هي الحرب علي غزة.. ولا عزاء للغافلين عن المصدر الحقيقي للخطر علي العرب جميعا.. من المحيط إلي الخليج.