منذ الاطاحة بالجنرال بينوشيه ديكتاتور شيلي الدموي عام 1998 تحولت هذه البلاد إلي الديمقراطية ونجحت في انتهاج سياسات تنموية رفعت متوسط دخل الفرد فيها خلال عقد واحد من الزمان ليصبح 16 ألف دولار سنويا وقد قامت تجربة شيلي الناجحة هذه من الناحية الاقتصادية علي اقتصاد السوق وسيادة القانون وحكومة مسئولة ماليا، وقد برهنت شيلي علي انها أكثر من أي بلد آخر في أمريكا اللاتينية تؤمن بدور السوق ليس فقط في تحقيق النمو وإنما أيضا في تقديم كثير من الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية والمعاشات المجزية والبنية الاساسية. واليوم تمر شيلي بحالة توتر شديدة لم تشهدها منذ بدء التحول الجاد إلي الديمقراطية عام 1990 فمنذ العام الماضي وطلاب شيلي في حالة هياج حيث يتظاهرون في الشوارع مطالبين بحرية واستقلال الجامعات وان تعود الدولة إلي القيام بدور اساسي في التعليم وتلغي معهد التعليم التي تستهدف الربح، وتقول مجلة "الايكونوميست" إن مطالب الطلاب تلقي تأييدا جماهيريا واسعا بين مختلف طوائف الشعب وقد تجددت مظاهرات طلاب الجامعات الشيلية مرة أخري في مارس الماضي مع بدء العام الدراسي الجديد، وكانت هذه المرة ذات طبيعة معدية حيث تظاهر المواطنون في اقليم أيزين واقاموا المتاريس علي الطرق مطالبين بخفض سعر البنزين وإلغاء قانون الصيد الذي يؤثر سلبا علي أرزاقهم كصيادي أسماك وتكرر نفس الامر في منطقة كالاما الغنية بالمناجم. وقد تكون مثل هذه التظاهرات مسألة طبيعية في بلد فقير مثل بيرو أما أن تندلع في شيلي الغنية سريعة النمو والتي تحظي بتقدم اجتماعي واستقرار سياسي ومؤسسات قوية ونشيطة فإنه أمر يدعو إلي التساؤل، ويبدو ساسة شيلي انفسهم في حالة حيرة من امرهم ولا يعرفون ما إذا كانت مظاهرات الطلاب احتجاجا علي نموذج اقتصاد السوق الذي كان بينوشيه قد بدأه واستمرت عليه ورثته بصورة أو بأخري. ولكي تكون الامور واضحة فإن حكومة يمين الوسط التي يقودها سيباستيان بينيرا في شيلي قد فاجأتها هذه المظاهرات ولكن لا غرابة في ذلك لأن بينيرا نفسه ملياردير ورجل أعمال كما انه كان قد اخذ الحكم من تحالف يسار الوسط الاقرب في سياساته إلي تلبية احتياجات عامة الناس، وتقول لنا استطلاعات الرأي أن حكومة يمين الوسط هذه كانت قد تصاعدت شعبيتها في اكتوبر 2010 عندما نظمت عملية انقاذ ناجحة لنحو 33 عاملا انهار عليهم أحد المناجم وحظيت الحكومة في استطلاعات الرأي آنذاك بثقة 63% من الناس أما الآن وبعد مظاهرات الطلاب المتكررة فلم تعد هذه النسبة تزيد علي 29%، وهذا يرجع في جزء منه إلي عدم كفاءة بينيرا كسياس لأنه بطيء جدا في الاستجابة لمطالب الناس وفي مقدمتهم الطلاب.