لم تكن مليونية يوم الجمعة الماضي من أجل إنقاذ الثورة بقدر ما كانت من أجل إنقاذ الإخوان ومساعدة مرشحهم في الانتخابات الرئاسية. فاالإخوان الذين تناقصت شعبيتهم بشكل واضح في الفترة الماضية بسبب الأداء الباهت في البرلمان وبسبب التخبط في القرارات ومحاولة "التكويش" السياسية علي مراكز ومؤسسات العمل التنفيذي والتشريعي في مصر أرادوا اثبات أنهم مازالوا قادرين علي تحريك الشارع للضغط علي المجلس العسكري من أجل تمرير مشروع "العزل السياسي" للفلول..! فالإخوان يدركون أنهم قد دخلوا في مغامرة بكل مستقبلهم السياسي عندما أعلنوا عن تقديم مرشح من الجماعة لمنصب رئيس الجمهورية. وعندما وجدوا أن آمالهم في المنصب لن تتحقق بنزول اللواء عمر سليمان أرض المعركة بالترشح للرئاسة فإنهم سارعوا إلي اصدار قانون خاص للعزل السياسي من خلال مجلس الشعب يمنع الحقوق السياسية عن "الفلول" وبمقتضاه لا يتمكن عمر سليمان أو أحمد شفيق من خوض المعركة الرئاسية. وجاءت اللجنة العليا للانتخابات لتزيح عمر سليمان من الطريق ومعه مرشح الإخوان "الأساسي" خيرت الشاطر، وأبقت علي المرشح الاحتياطي محمد مرسي وهو شخصية لا تتمتع بثقل جماهيري وسياسي يؤهلها للمنافسة علي هذا المنصب في هذه الفترة القصيرة نسبيا. وكان لابد من تحريك كل الأوراق والقوات للقضاء علي بقية المنافسين حتي يمكن أن يكون مرشح الإخوان وحده في الميدان ليتمكن من الفوز. وجاءت مليونية الجمعة الماضية لتحقق هذا الهدف، فلم يكن الغرض منها إلا توجيه كل الطعنات إلي مرشحي الرئاسة من الفلول وهم أحمد شفيق وعمرو موسي بعد أن تزايدت فرص الأخير بشكل خاص في ضوء منع عمر سليمان وخيرت الشاطر وحازم أبو اسماعيل من الترشح. وهي مليونية استعراضية تمثل محاولة أخري لفرض الوصاية علي الشعب والضغط علي المجلس العسكري للتصديق علي قانون العزل السياسي للفلول. فالإخوان الذين راهنوا علي إرادة الشعب في الانتخابات البرلمانية وارتضوا بأن يتم ترشيح الفلول في الانتخابات عادوا ليرفضوا هذه المرة ارادة الشعب وقراره وأعلنوا بوضوح من خلال مواقفهم قوانينهم خوفهم وخشيتهم من صناديق الاقتراع وقرروا مسبقا عزل الشعب أيضا بأن تتضمن قائمة المرشحين للرئاسة من يختارهم ويوافق عليهم الاخوان فقط. وقد تكون المليونية ناجحة استعراضيا في جذب الانتباه لقوة الإخوان والسلفيين التنظيمية والجماهيرية ولكنها لم تكن في صالح التيار الديني أو مرشحيه لأنها أعادت مخاوف الفوضي إلي الشارع مرة أخري خاصة وأنها تزامنت في عدة مظاهرات وتجمعات لأنصار أبو اسماعيل في قضية خاسرة وفي تحد للقانون لا مبرر له. كما أن هناك من لم يجد مبررا لهذه المليونية التي لم تكن تعبيرا عن ارادة شعبية مجتمعية، بل كانت جمعة للانقسامات والمطالب المختلفة والمتعارضة، وكانت أيضا من أجل "تلميع" وإظهار أشخاص ولم تكن من أجل قضية واضحة أو أهداف محددة. فالشارع يدرك أن المرحلة الانتقالية أوشكت علي النهاية وأن الانتخابات الرئاسية بعد حوالي شهر من الآن، وسيكون لمصر رئيس جديد وبرلمان منتخب بما سيمثله ذلك من بداية مرحلة االاستقرار واالأمن والتفرغ للاقتصاد وحل مشكلات المجتمع العاجلة المتمثلة في ركود الأوضاع وتزايد معدلات البطالة وتوقف قطار التنمية. ولذلك تؤمن الأغلبية بأنه يجب التمهل والانتظار وأن يتم في ضوء كتابة دستور جديد للبلاد من خلال لجنة من الخبراء والقانونيين المختصين ليعرض بعد ذلك علي الشعب. وكتابة دستور مصر قضية لا ينبغي أن ينبغي أن تخضع للشعارات والمزايدات، والإصرار علي تمثيل مختلف الأطياف والاتجاهات والجماعات بشكل لا يمكن معه كتابة أي دستور أو الاتفاق علي أية بنود ومواد. فالدستور يكتب من خلال المتخصصين ويعرض بعد ذلك للدراسة والحوار المجتمعي للتعديل والتغيير. وأخشي ما نخشاه في المشهد السياسي الدائر حاليا هو أن ينتاب الإخوان والتيارات الدينية شعور أو اعتقاد بأنهم سيخسرون المعركة الانتخابية الرئاسية وأن يلجأوا أمام ذلك إلي إثارة الجماهير وإشاعة الفوضي تحت زعم الثورة مستمرة وأن يكون ذلك مدخلا وسببا لإعلان الأحكام العرفية وتأجيل أو إلغاء الانتخابات الرئاسية والعودة إلي النقطة صفر..! أن كل المؤشرات تؤكد أن التيارات الدينية وفي مقدمتها الاخوان لن تقبل بخروج منصب الرئيس من إطارها وستلعب بكل الأوراق لمنع ذلك.. وليس الهدف إنقاذ الثورة أو إنقاذ مصر الآن.. ولكن الغاية إنقاذ أنفسهم أولا.. فقد وصلوا إلي السلطة وسيقاتلون للبقاء فيها.