قد لا يعلم القارئ أني تمنيت علي منصور حسن أن يتقدم للترشح لمنصب رئيس الجمهورية؛ لما عرفت من قدراته وتفانيه في العمل والحرص غير المحدود علي كرامة المصري الانسان البسيط، وقدرته غير المحدودة علي التفاوض الشرس. وطبعا لن أنسي لحظة جلوس ساسون ثاني سفير لإسرائيل في القاهرة، وكان ذلك في الطائرة التي أقلت السادات للقاء بيجين في شرم الشيخ، وقال ساسون لمنصور: "أرجو أن تقنع الرئيس السادات كي يسمح لاثنتي عشرة أسرة إسرائيلية بالبقاء في شرم الشيخ، فقد أسسوا حياتهم ومستقبلهم هناك"، فقال منصور حسن: "لك عندي ذلك بشرط أن تقنع رئيس الوزراء بيجين بأن يسمح لألفي أسرة فلسطينية معها مفاتيح منازلها في القدس وحيفا ويافا بأن يعودوا إلي بيوتهم التي أخذتها منهم القوات الإسرائيلية في حرب 1948" وطبعا أكفهر وجه السفير الإسرائيلي وغادر مكانه من جانب منصور حسن. ولن انسي كيف اتفقت الولاياتالمتحدة مع جماعة الاخوان المسلمين عام 1980 علي أن يقوموا بمظاهرة ضد حكومة إيران في ميدان عابدين، وما إن علم منصور حسن حتي اتصل بعمر التلمساني مرشد الجماعة في ذاك الوقت وأبلغه بأن أي مظاهرة من هذا النوع ستقابل بقوة ورفض، فلا مجال للاتفاقيات الجانبية بين جماعة سياسية وبين دولة كبري من وراء ظهر الدولة وأقره المرشد العام علي ذلك وقام الأزهر بإصدار بيان يستنكر فيه قيام إيران باعتقال أسري داخل سفارة دولتهم، فهذا ضد شرائع الإسلام. ولن أنسي كيف رفض منصور حسن البقاء في منصبه كوزير لرئاسة الجمهورية، وقرر الخروج من الوزارة عندما قام السادات بحملة الاعتقالات الشهيرة للعقول المصرية الكبيرة من جميع الاتجاهات السياسية، حدث ذلك رغم علمه بأن السادات قد يختاره نائبا لرئيس الجمهورية. وقال منصور حسن يومها: "لا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" وظل ثلاثين عاما يرقب ما يجري علي الساحة السياسية وعندما زاد الانحراف السياسي علي الحد، خرج منصور مع مني الشاذلي لينقد ويوجه لا طمعا في شيء سوي الحفاظ علي كرامة المصريين، وهدده مبارك بالاعتقال. باختصار، خسر المنصب الرئاسي رجلا فريدا، غزلته السنون من التواضع وحسن تقدير الأمور. ولله الأمر من قبل ومن بعد.