في الدوامة التي نعيش فيها نحن أبناء الأمة العربية، خرج علينا هنري كسنيجر مهندس تفتت حلمنا القديم في أن نكون متكاملين قادرين علي صد العدوان علينا، وحققنا أولي خطوات الحلم الصعب في انتصار أكتوبر الجليل، حيث قدمت كل دولة عربية ما في استطاعتها المال من الجزائر وليبيا، وقطع البترول من دول الخليج، وتعاون بين القوات المسلحة في مصر وسوريا، ثم جاء كسينجر لا ليفك الاشتباك بين مصر وإسرائيل فقط ولكن ليضع أسافين قتل فكرة العروبة بأكملها وقد وضع ذلك حين طلب من الاستاذ هيكل أن يقصر حديثه في حدود مصر ولا يتحدث عن مصر كجزء من النسيج العربي فرفض الأستاذ هيكل هذا المنهج، وصعد الأمر إلي التفريق بين السادات وبين العقل الكبير محمد حسنين هيكل ثم بدأت رحلة التخلص من مشاركة الخليج في الحلم العربي بأن سبح الخليج فوق بحيرة امتلاك السيادة علي الخليج لصدام حسين، وطبعا كانت الحرب العراقية الايرانية هي منجم من الذهب لشركات التسليح وللاقتصاد الغربي علي إطلاقه ثم جاء الإفلاس لصدام حسين فهجم علي الكويت ودارت عجلة التفتيت للأمة العربية بأن دخل السودان - علي سبيل المثال لا الحصر - دوامة تطبيق قشور الشريعة الإسلامية، فتفتت السودان ببذور فتنة مازالت آثارها واضحة علي خريطة السودان بتقسيمه. وصعدت قطر محطة الثراء الفاحش من نمو ثروة الغاز- وتقلصت قدرات مصر في سراب البحث عن التوريث بعد النهب المنظم من قلة آمنت وبمنهج الرأسمالية المتوحشة، وبيع الشركات الاستراتيجية العملاقة التي سبق وساندت المجتمع المصري لتحقيق نصر أكتوبر المجيد، وأخيرا جاءت ثورات الربيع العربي، لتبرق "الديمقراطية" كلعبة تشتاق لها شعوب الأمة العربية دون أن تملك قدرات مجتمعية تتيح لها فهم قواعد اللعبة العالمية، وطبعا كانت "الديمقراطية التي جاءت لنا " معشوشة حيث كانت النخبة العربية مغيبة في شعارات فضفاضة. أخيرا قامت ثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن ثم سوريا، وكلها ثورات قامت بحق ضد حكومات وأنظمة تيبست مفاصلها السياسية بفعل مرض النهب العام لثروات الشعوب. والآن يخرج كسينجر ليعلن أن الثورات العربية قامت بمساندة خارجية وبعض هذا القول حق وأن المستقبل العربي موكول لقدرة إسرائيل علي قتل أكبر عدد من أبناء العروبة بأي طريق ولو كان الطريق هو استغلال مناخ الفوضي الضارب سهامه في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، وما يلي ذلك من بلدان وأن هناك حربا عالمية ستكون بدايتها هجوم إسرائيل علي إيران. ويا أيها السادة العرب لعلكم تتذكرون أن هنري كسينجر كان مهندس زراعة الهزيمة البطئية في الجسد العربي بعد حرب أكتوبر وهو الآن قارئ كف المتسقبل فهل نفيق إلي ما ينتظرنا من مسلسل التفتيت والقتل؟ أتمني أن يوجد بالجامعة العربية مؤتمر استراتيجي مصغر نبحث فيه خطوات المستقبل بعيدا عن نبؤءة كسينجر الملعون.