أطل علينا أكتوبر هذا العام، وأتذكر كيف كانت أيامنا مشتعلة في شهور ما قبل حرب أكتوبر 1973 بأن الحرب لن تقوم، وكنا نخشي أن نتجمد في مواقعنا وخنادقنا دون أن نقوم بتحرير الأرض . ولكن التخطيط السليم وقدرة القوات المسلحة المصرية، هي التي أنجزت في ساعات وأيام قليلة معجزة هائلة هي معجزة الانتصار في أكتوبر 1973، ولكن ما بعد الحرب نستطيع أن نقول إن العرب لم يستطيعوا استثمار هذا النصر في صناعة مستقبل كريم من المحيط إلي الخليج . كان العالم أيامها ينظر إلي الأمة العربية كطاقة مؤثرة في صناعة رفاهية الكون بما تملكه من قدرات.. ولكن غرق قيادات العرب في الخلافات وعدم ثقتهم في بعضهم البعض أعطي خصوم مستقبل "فكرة القومية العربية" يوجهون لها رصاصة القتل دون هوادة . أتذكر كيف التقي كيسنجر مع أستاذنا محمد حسنين هيكل، وكيف أصر كيسنجر علي "تفرقة الأمن العربي" إلي أجزاء متناثرة بين حكومات متنافرة، وأصر الأستا هيكل علي أن يتم الحوار بينه وبين كيسنجر علي أساس أن العرب أمة واحدة صنعت نصرا كبيرا . وطبعا غرق العرب في تنافرهم، وغرقوا أكثر في رفاهية مزيفة "تسليم مفتاح"، بمعني أن الشركات الكونية قد أقبلت علي الثروة الناتجة من ارتفاع سعر البترول، والتهمتها في مشاريع تبدو أنيقة، ولكن لا يوجد مشروع واحد من المحيط إلي الخليج إستطاع أن يكون مثل السد العالي أي أن يوفر لعموم المصريين زيادة في الرقعة الزراعية ومصدرا كبيرا للكهرباء . ولم تستطع الدول العربية أن تبني بأيدي أبنائها مزارع أو مصانع تكفيها الإعتماد في كل تفاصيل اليوم علي الاستيراد.. وتناسينا جميعا أن وجود إسرائيل إعتمد علي الخلافات العربية وعدم قدرة العرب علي التعاون العلمي والصناعي والزراعي، فصدق صدام حسين مثلا أن حربه مع إيران ستحقق له مكانة، فانهزم، وتوهم أن إحتلاله للكويت سيتوجه ملكا علي الخليج والعرب، فتحقق سحقه إلي أن تم تعليقه علي المشنقة . وعلي مشنقة إتباع أوامر السادة في واشنطون تم تجميع ثروات مصر في يد قلة صنعت يأس شبابها، ونفس الحال في تونس وليبيا، وسوريا . وما نراه الآن علي ساحة العرب هو فقر القدرة علي بناء إقتصاد مشترك يحمينا من الخطر المترصد للعالم العربي، استمرار لمسلسل النهب العلني لمقدرات الشعوب العربية.. فهل نلتفت؟