السفارات المصرية في 18 دولة تفتح أبوابها لاستقبال الناخبين في جولة الإعادة بمجلس النواب    محافظ قنا يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة العام الميلادي    الجامعة المصرية بكازاخستان تحتفل بتخريج الدفعة الأولى من مركز "تراث"    بدء صرف الدفعة الثانية من الأسمدة الشتوية لمزارعي الجيزة عبر كارت الفلاح    موسكو تعلن تقدما ميدانيا شمال شرق أوكرانيا.. وبوتين يأمر بتوسيع المنطقة العازلة    زد يستدرج حرس الحدود في كأس عاصمة مصر    4 قضايا أمام الإسماعيلى لرفع إيقاف القيد بعد إزالة مساعد جاريدو    أمم أفريقيا 2025| التشكيل المتوقع للجزائر وغينيا الاستوائية في لقاء اليوم    نظر جلسة محاكمة 3 فتيات بتهمة الاعتداء على الطالبة كارما بالتجمع بعد قليل    فتح التقديم بالمدارس المصرية اليابانية للعام الدراسى 2026/ 2027 غدا    القبض على المتهمين بسرقة محل بلايستيشن فى مدينة 6 أكتوبر    الأمل فى 2026 التحليل النفسى لأبراج العام الجديد    الليلة... نجوم الطرب في الوطن العربي يشعلون حفلات رأس السنة    108 دقة جرس كيف يحتفى العالم برأس السنة كل عام؟    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    طبيبة تحسم الجدل| هل تناول الكبدة والقوانص مضر ويعرضك للسموم؟    «ماء الموز» موضة غذائية جديدة بين الترطيب الحقيقي والتسويق الذكي    لماذا ترتفع معدلات الأزمات القلبية في فصل الشتاء؟ 9 إرشادات طبية للوقاية    الصحة تؤكد أهمية تطعيم الحمى الشوكية لطلاب المدارس للوقاية من الالتهاب السحائي    إيمري يقلل من أهمية عدم مصافحة أرتيتا بعد مواجهة أرسنال وأستون فيلا    ليلة استثنائية.. نجوم الأوبرا وعلاء عبد السلام يفتتحون عام 2026 بأغانى الخلود    الحكومة تصدر قرارًا جديدًا بشأن الإجازات الدينية للأخوة المسيحيين| تفاصيل    الإمارات تستجيب لطلب السعودية وتنهي وجودها العسكري باليمن    «اتصال» وImpact Management توقعان مذكرة تفاهم لدعم التوسع الإقليمي لشركات تكنولوجيا المعلومات المصرية    التضامن: إلزام الأسر المستفيدة بالمشروطية التعليمية ضمن برنامج تكافل وكرامة    مطار الغردقة الدولي يستقبل 19 ألف سائح على متن 97 رحلة طيران احتفالا بليلة رأس السنة    محمد جمال وكيلاً لوزارة الصحة ومحمد زين مستشارا للمحافظ للشؤون الصحية    تجديد حبس عاطلين قتلا مالك كافيه رفض معاكستهما لفتاة في عين شمس    اليوم.. نظر محاكمة 5 متهمين بخلية النزهة الإرهابية    تعرف على سعر الدينار البحريني أمام الجنيه في مصر اليوم الأربعاء 31-12-2025    أسعار البيض اليوم الأربعاء 31 ديسمبر    اليوم.. نظر محاكمة المتهم في قضية «صغار الهرم»    دميترييف يسخر من تمويل أوروبا المتحضرة للمنظمات غير الحكومية لغسل أدمغة الناس    وفاة إيزايا ويتلوك جونيور نجم مسلسل "The Wire" الشهير عن 71 عاما    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    نخبة الإعلام والعلاقات العامة يجتمعون لمستقبل ذكي للمهنة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    وخلق الله بريجيت باردو    طقس رأس السنة.. «الأرصاد» تحذر من هذه الظواهر    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    زيلينسكي يناقش مع ترامب تواجد قوات أمريكية في أوكرانيا    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    قبل المباراة المقبلة.. التاريخ يبتسم لمصر في مواجهة بنين    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يرقص الجواسيس عل- موسيق- الدولار!
نشر في صباح الخير يوم 09 - 08 - 2011

همس القرد الشاب ف- أذن حبيبته أثناء ممارستهما لعناق إنجاب أول الأبناء « أتمن- أن تنجب- ل- أبناء قادرين عل- الاستفادة من خبرات القرود الأجداد، بدلا من إنجاب قرود جديدة تتمرد عل- كل التاريخ، وتركب قاربا من أوراق الشجر إل- غابة أخر- ليبدأوا حياة جديدة دون سابق خبرة».
همست القردة ضاحكة ف- أذن حبيبها «أنت تحلم بأن تغير من نوعية القرود، وتريدهم أن يحتفظوا بتاريخ وخبرات من سبقهم من القرود- هل تريدهم أن يصبحوا مصريين مثلا يقدسون ما مض- من تاريخ- أم أنك تريدهم أمريكيين جاءت كل أسرة منهم من بلاد بعيدة واستطاعوا أن يسودوا العالم كله دون الاهتمام بما سبقهم من حضارات ؟»
هنا فكر القرد الشاب بأن حبيبته لا تفهم كثيرا فيما يحلم به، بل ه- تهتم فقط بفعل الحب وليأت- الأبناء ليفعلوا ما يريدون.
تذكرت تلك الحكاية القادمة من أسطورة إفريقية تحك- لماذا ظل القرود قرودا، دون أن يتطوروا عل- سلم الارتقاء، فقد خيرت القردة الشابة عريسها الشاب بين تقليد المصريين الذين يقدسون التاريخ، بشرط أن تراه كل فئة بالعيون الت- تريدها، وبين أن يكون القرود كالأمريكيين ينظرون إل- الواقع ويعيدون تأليفه بما يحقق مصالح شركات السلاح وشركات الأغذية المحفوظة، وأنماط طباعة كل البشر بشرط أن تمتلك أمريكا قدرات التحكم ف- أمزجة الكون، ومن لا يرضخ من أهل هذا الكون فعليه أن يتحمل اللعنة .
وقصة اللعنة الت- تحملناها ف- مصر المحروسة ه- قصة طويلة جدا، ولعل أهم ما يستوقفن- فيها هو هذا المسلسل الطويل من الأعاجيب الت- صنعها المصريون عبر التاريخ، وهو مسلسل يصاحبه مسلسل آخر من خيبات الأمل.
ولن أتذكر ما نعرفه جميعا من أن المصريين هم من أهدوا البشرية فن صناعة الرغيف وبناء البيت ورفاهية صناعة الكرس-، وأناقة صناعة السرير، وفنون رصف الطرق، وحفر الترع وزراعة الأراض-، لن أتذكر كل ذلك، ولكنن- سأجر- سريعا عل- ما مر بنا خلال المائت- عام الأخيرة، تلك الت- بدأت بمحمد عل- الذ- كون جيشا وأقام صناعات حربية ونظم توزيع مياه النهر، وبن- القصور، وخطف أبناء الناس من الأحياء ليحولهم إل- أطباء وضباط. وحارب منتصرا من الجزيرة العربية إل- قلب أفريقيا. ولكنه انكسر بالتواطؤ بين دول كبر-، فقرر أن يعيش داخل حدود المحروسة ليورثها من بعد ذلك لأبناء لم يقدروا قيمة ما ورثوا، فجاء سعيد باشا بعملية حفر قناة السويس وه- معجزة قام بها الفقراء واستفاد منها الأجانب أولا، ثم جاء إسماعيل ليتطلع إل- بناء مصر الت- تشبه فرنسا، واستطاع تحقيق ذلك بالديون وبمزيد من القهر لعموم المصريين، ولكن الحال- حال القهر- لم يستمر حين تول- عرش مصر توفيق ابن إسماعيل، فقد خرج عراب- باشا هاتفا «لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا ولن نورث بعد اليوم».
--
هل ما أحكيه غير معروف لعموم المصريين- طبعا هو معروف ومحفوظ، ولكن يغيب عن الجميع صورة الفلاحين الزاحفين من قراهم حول قطار عراب- وهم يقدمون له عرائض الشكاو- من السخرة ومن استنزافهم عملا ف- أراض- العائلة المالكة وإقطاعيات من كانوا خدما عند عائلة محمد عل-.
كان عموم المصريين يطلبون من عراب- وجيشه بعضا من العدالة الاجتماعية الت- نثرثر بطلبها حاليا، ولكن الرجل انكسر لأن أعداءه كانوا أهل علم، ورغم الانكسار إلا أن التاريخ يتذكر حقيقة واضحة وه- أن المصريين العاديين استطاعوا بمدفعية قديمة إغراق سبع بوارج من أحدث ما أنتجته التكنولوجيا الإنجليزية ف- البحر المتوسط، نعم سبع بوارج من أربع عشرة بارجة قصفت الإسكندرية لينزلها جنود الاحتلال .
ولن أحك- عن نف- عراب-، ولكن- أحك- عن تمرد مصطف- كامل عل- تراث عراب- الثور-، فلم يناقش الرجل ما ه- أخطاء ومزايا ما قام به عراب-، وإن كان قد نطق الجملة «لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا» وه- ببساطة تحمل نفس المشاعر الت- نطق بها أحمد عراب- أمام الخديو حين قال «لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا ولن نورث بعد اليوم».
ولن أحك- عن قصص الساسة الذين لم ينتبهوا إل- ما أنجزه محمد فريد من أفكار كان منها - عل- الأقل - ضرورة بناء الاقتصاد كمقدمة أول- لمقاومة الاحتلال، فقد انتبه محمد فريد إل- أن مصر تم احتلالها لتكون سوقا وممررا للبضائع الإنجليزية، ولن أحك- عن تفرغ سعد زغلول لمقاومة الإنجليز دون التفات إل- ما سبقه سواء من عراب- أو مصطف- كامل أو محمد فريد، ولن أحك- غياب تراث ما سبق من خبرات سياسية ضخمة رغم هزيمة أصحابها، هذا التراث لم ينسه العظيم جمال عبد الناصر، إلا أنه لم يقم بجرد التاريخ ويقدمه لأبناء شعبه ليستلهم خبرات من سبقوه، ولابد ألا ننس- أنه قام بتمصير الاقتصاد بعد أن جف ريقه طلبا للاستثمار الأجنب- من أجل دعم المجتمع المصر-، لكن الخارج لم يلتفت لعبد الناصر، ولذلك بدأ حكاية التأميم بأرق- قرار اقتصاد- مصر- ف- النصف الثان- من القرن العشرين، وهو قرار تأميم قناة السويس، هذا القرار الذ- ولدت به ما صرنا نسميه من بعد ذلك «كاريزما جمال عبد الناصر»، نعم فقبل هذا القرار كان الجميع يناقشون كل خطوة يخطوها جمال عبدالناصر بعيون الشك، أما بعد تأميم قناة السويس فلم يعد هناك أ- مجال للشك ف- الرجل وأسلوبه .
--
لم تغفل أجهزة مخابرات الكون عن جمال عبد الناصر، فجاء من يقدم له رشوة ه- مائة ألف دولار أخذها الرجل ليبن- بها برج القاهرة، ولم يزل الأمريكيون - عل- وجه التحديد - ينتهزون الفرص لترويض ثورة يوليو، وعندما عجزوا درسوا نقاط ضعفه، المتمثلة ف- قائد جيشه عبد الحكيم عامر، وتم شغل الرجل وثورته بأحداث الحلم العرب-، سواء بتجربة الوحدة مع سوريا، ثم بحرب اليمن، وما تلا ذلك من عدوان يونيو عام 1967.
ولن ننس- أبدا قصة إعادة بناء القوات المسلحة المصرية بعد هزيمة يونيو الفاجعة ولا قصص البطولة الهائلة، ولا استمرار العمل ف- بناء معجزة جمال عبدالناصر الكبيرة وه- إنجاز تحويل مجر- نهر النيل ببناء السد العال- .
قد يكون كل ذلك معروفا للجميع، ولكن قصص التغلغل عبر غواية المال، لم تخفت أبدا عند الأمريكيين .
أذكر أنا كاتب هذه السطور تلك القصة الت- كنت طرفا فيها. كان الزمن هو صيف عام 1965، وكانت الولايات المتحدة تعطينا القمح مقابل نقود مصرية، بدعو- إنفاقها عل- ما تريده من مشتريات أو غير ذلك من السوق المصرية، أو تساعد به بعضًا من المؤسسات .
وفوجئت بصديق- وأستاذ- العالم الفاضل الراحل الأستاذ الدكتور سعد جلال أستاذ علم النفس ورئيس وحدة البحوث النفسية بالمركز القوم- للبحوث الاجتماعية، وهو يحك- ل- عن رفضه لمكافأة قدرها خمسون جنيها رصدها له الدكتور أحمد خليفة مؤسس المركز، وكان يشغل منصب وزير الشئون الاجتماعية ف- نفس الوقت، قال ل- أستاذ- الدكتور سعد جلال '' إنها مكافآت لترويض الأساتذة وجعلهم لا يتصرفون إلا حسب أوامر رئيس المركز، وه- نقود جاءت للمركز مقابل أن يمد المركز الولايات المتحدة الأمريكية بصورة من أبحاثه .
وهنا ضغط سعد جلال عل- زر التوتر ف- أعماق-، فعل- الرغم من أن- لست ماركسيا ولم أكن كذلك ف- يوم من الأيام، إلا أن- واحد ممن يؤمنون أن الإمبراطورية الأمريكية تبحث عن سيطرة مطلقة عل- منطقة الشرق العرب-، ويقف لها جمال عبد الناصر بسياساته كالعظمة الواقفة ف- الزور .
ولم يكن هناك بد من أن أكتب قصة المال الأمريك- ف- شراء الضمائر، وطبعا رحب أستاذنا أحمد حمروش رئيس تحرير روز اليوسف ف- ذلك الوقت بالتحقيق الصحف- الذ- يفضح تسرب المال الأمريك- إل- لعبة ترويض وإغواء علماء النفس والاجتماع من خلال المركز القوم- للبحوث . ثم نمي إل- علم- أن د.أحمد خليفة قال بصريح العبارة عن شخص- لواحد من أساتذة المركز « سأقوم بتأديب هذا الصحف- ». ولم يكن أحمد خليفة يعلم أن كلمته تلك ستقود إل- تصفية مكانته كوزير، فقد اتجهت إل- مكتب جمال عبد الناصر سائلا عن كيفية صعود أحمد خليفة إل- هذا الموقع، ومن سمح له أن يستخدم المال الأمريك- ف- بيع الأبحاث المصرية للأمريكان، تلك الأبحاث الت- تدرس سلوك المصريين عل- اختلاف توجهاتهم.
وطبعا دافع الراحل حسين الشافع- نائب رئيس الجمهورية ف- ذلك الوقت عن صديقه أحمد خليفة مدير المركز القوم- للبحوث، وأتذكر أنه طلب مقابلة مع رئيس التحرير الثور- الرائع أحمد حمروش، الذ- أكد صحة ما نشرته روز اليوسف من معلومات.
ولم تفت سو- أيام قليلة حت- كان أحمد خليفة خارج التشكيل الوزار-، ولم يفوت أحمد خليفة الفرصة فبدأ رحلة تنكيل بأستاذ- سعد جلال عالم النفس المرموق، هذا الذ- أوفده طه حسين إل- جامعة إستانفورد بالولايات المتحدة ليدرس علم النفس، وهو من رفض الجنسية الأمريكية ومنصب رئيس وحدة البحوث النفسية بجامعة استانفورد، لذلك لم يتقبل سعد جلال أية إهانة من أحمد خليفة، فقدم استقالته من المركز القوم- للبحوث.
ولكن ذلك لم يمنع الدولة من تعيينه أستاذا لعلم النفس ف- كلية التربية الرياضية بالإسكندرية.
ولم تمر سو- أسابيع حت- قرأنا عن قصة التجسس الت- كان بطلها الكاتب الصحف- الكبير مصطف- أمين، والذ- خرج من السجن بعفو صح- لصعوبة حصوله عل- البراءة عن جريمة التجسس، وهو من أذاق فترة جمال عبد الناصر بالتشويه الذ- يفوق التصور .
وطبعا لم يغب عن الولايات المتحدة أبدا ضرورة النزول إل- أدن- مستويات طلب المعلومات عن مصر والمصريين .
وحين جاءت هزيمة 1967 وبدأنا رحلة إعادة بناء القوات المسلحة، كان لأمين هويد- الثائر العظيم صولات وجولات أثناء إعادة ترتيبه للمخابرات العامة، وحرص الرجل عل- توجيه الضربات المتلاحقة للتجسس الأمريك-، وكلنا نعلم قصة زراعةكاميرات وأجهزة تسجيل ف- كافة أركان السفارة الأمريكية ما جعل السفارة الأمريكية وتفاصيل ما يجر- فيها كتاباً مفتوحاً أمام جهاز المخابرات المصر-، ويكف- أن نتذكر ما رواه أستاذنا محمد حسنين هيكل عن اللقب الحرك- لاختراق جهاز المخابرات المصر- لأدق أسرار السفارة الأمريكية، وكان الاسم الحرك- لتلك العملية هو لقب «عصفور» .
ولن ننس- طبعا محاولة الولايات المتحدة وإسرائيل اختراق الجانب المصر-، وكيف توصلوا إل- تجنيد ابن شقيقة المهندس عثمان أحمد عثمان، وهو من أراد تسلم بعض من صور تصميمات المواقع الحربية المصرية، فجاءت محاكمته ثم إعدامه كعقاب حاسم عل- ما ارتكب من حماقة .
ولم تخفت لعبة الحرص عل- اختراق المجتمع المصر- بالتجسس أو الاستمالة، ومن بعد انتصار أكتوبر وهو المعجزة العلمية والعملية بكل المقاييس جاء أسوأ ما استقر عليه ضمير السادات هو إقراره بأن أوراق مستقبل مصر موجودة ف- أيد- الولايات المتحدة بنسبة 99% .
ولن أنس- ما حييت كيف ظلت العواصم العربية تردد «البترول العرب- ليس أغن- من الدم العرب-»، عل- الرغم من عدم جدية المال العرب- ف- صناعة تنمية حقيقية ف- العالم العرب-، حت- جاءت كامب دافيد، وما تم تطبيقه بعدها من سلوك أمريك- حدده وزير خزانتها ف- ذلك الوقت ويليم سايمون حين قام بتوجيه الرسالة العلنية للمال العرب- «يجب الحرص عل- إبقاء فم مصر تحت الماء، أما أنفها فمسموح له التنفس ».
ولن أحك- عن حادث اغتيال السادات ومد- مشاركة الولايات المتحدة فيه، خصوصا حرص الولايات المتحدة عل- تربية جيل ينتم- للإسلام ك- يدافع عن مصالح الولايات المتحدة ف- أفغانستان ضد المد الشيوع-. ولا أنس- أنا كاتب هذه السطور صورة لجورج بوش الأب أثناء توليه لمنصب رئيس المخابرات الأمريكية، وهو يمسك بمدفع رشاش عل- غلاف مجلة عربية، ويقول «جئنا ندافع عن الإسلام » .
ولم يتساءل أحد هل كانت إعادة هيكلة الزراعة المصرية عل- يد يوسف وال- لتكون تابعة منقادة، لا صانعة لدرجة ما من الاكتفاء الذات- المصر-، تر- هل كان ذلك حرصا عل- الإسلام أيضا أم أن عملية تصوير كل سنتيمتر من أراض- مصر كان بهدف ترويض عموم المصريين وإرضاخهم لعلاقات مشبوهة تحت مظلة كامب دافيد.
ولم يتساءل أحد هل كان مج-ء يوسف بطرس غال- بصحبة فرانك وزينر السفير الأمريك- ليكون مسئولا عن إغراق العديد من قيادات مصرية ف- فساد متقن، سواء وهو يتول- وزارة التعاون الدول-، أو عندما تول- أمر تدمير الاقتصاد المصر- من بعد ذلك من خلال شركائه من وزراء رجال الأعمال.
أكتب ذلك عن يوسف بطرس غال-، وأنا أعلم قدر الجهد الذ- بذلته فايزة أبو النجا لتطهير تلك الوزارة من أدران يوسف بطرس غال- وأعوانه، وكيف توصلت إل- درجة من حماية الكرامة المصرية أثناء تعاملها مع أ- جهة تقدم دعما لمصر، وبقدرتها الفائقة عل- تحويل أ- معونة من كونها «حسنة» تقدمها الدولة الكبر- إل- جسر مشاركة بين أهداف تتلاق- عندها مصالح مصر مع الغير . أكتب ذلك وأنا من سمعت من الدكتور شريف بسيون- عميد معهد القانون الجنائ- الدول- بعد زيارة له إل- العراق بعد احتلالها من أن أحمد الجلب- وشركاءه ف- مهمة تسهيل احتلال العراق، كانوا يتسلمون رزم الدولارات من مكتب بريمر حاكم العراق، وينقلونها إل- سياراتهم عبر أوناش صغيرة ليهربوا بها إل- الخارج، وكان منهم من يرفض دفع مائت- دولار لتركيب ماسورة صرف صح- أمام مدرسة تقبع بجانب بيته « !! » فلم يكن أحمد الجلب- ورفاقه يعتبرون العراق هو البيت أو الوطن بل هو البقرة الت- تحولهم إل- أثرياء يعيشون خارج العراق، وأقسم بالله أن- سمعت بأذن- صوت أحد قادة العراق وهو يتحدث تليفونيا إل- قاض مصر- عمل بصحبة شريف بسيون- بالعراق، كان القائد العراق- يطلب دعوة تتيح له الخروج الآمن من بغداد.
والخروج الآمن يعن- الخروج بما يحمل من دولارات.
--
الذ- دفعن- إل- كتابة كل السطور السابقة هو رغبت- ف- الرد عل- أصحاب الرأ- الذ- انتشر أخيرا ويعلن بالصوت المفضوح وبوقاحة منقطعة النظير بأنه مادامت الدولة المصرية تأخذ معونات من الخارج، فماذا لا يأخذون هم أيضا دعما من الخارج -. وهم يتجاهلون أن دول العالم لا تساعد الحكومة حين تقدم لها المساعدات، ولكن تلك الدول تبحث عن مصالحها المشتركة مع مصر لذلك ترصد لها أموالا لتنسيق مواقف يتم التوافق عليها.
وعليكم أن تتعرفوا عل- كيفية إدارة مفاوضات تلك المصالح المشتركة من خلال أسلوب عمل الوزيرة فايزة أبو النجا، فه- الجهة «الأم» الت- تنسق استقبال المعونات وتنسق أيضا كيفية توزيعها.
أما حكاية الإصرار عل- الجراءة الممزوجة بوقاحة مساواة جمعيات وهمية بالدولة المصرية، فتلك مصيبة أعلم أن القانون المصر- يجرمها، ولكن ف- عهد حسن- مبارك كان الحبل منطلقا عل- الغارب، فمن المهم أن تمسك الحكومة خطأ ما عل- مواطن أو جماعة ك- تجذبه إل- الرضوخ لها، أو عل- الأقل لتتجنب غضب دول كبر-.
--
أزعجن- بغير حد قول أحد الثوار المحترمين عل- شاشة التليفزيون من أنه يرفض مساس اللواء الروين- بجماعة 6 أبريل، أما سبب الانزعاج فليست هناك جماعة مقدسة عن الحساب. وإن كنت أعتب عل- اللواء كاطو الخبير الاستراتيج- باسم الزميلة الت- نفخر بأنها من بيتنا الصحف- نجلاء بدير حين وصفها بالمخربة.
أما عن تفاصيل ما جر- من جماعة 6 أبريل، فتفضحه وثائق ويكيليكس حين كشفت من خلال ما كتبته مارجريت سكوب- السفيرة الأمريكية السابقة من أن بعضا من قادة الجماعة قاموا بزيارة الولايات المتحدة للتنسيق مع الإدارة الأمريكية ف- كيفية العمل بالشارع المصر-.
وإذا كان جمال مبارك قد ركع عل- قدميه من أجل الدعم الأمريك-، فكان يجب عل- الثوار حقا وصدقا - إن كانوا ثوارا حقا وصدقا - ألا يتلقوا مالا أمريكيا أو يقوموا بالتنسيق مع الولايات المتحدة ف- تلك الحكاية.
وإذا كان الجيش المصر- قد رفض أن يلعب دور اليد الملوثة بدماء أبناء مصر، وحم- من قاموا بالثورة ف- الخامس والعشرين من يناير من هذا العام، و كان تدخل الجيش المصر- انحيازا للثورة هو المانع الأول لفرصة كانت تتمناها الولايات المتحدة، بأن تعيد احتلال قناة السويس، بعد أن تقوم بحل وتسريح الجيش المصر- كما فعلوا بالعراق، مع إغراق مصر ف- دوامة من الدم.
فإذا كان انحياز الجيش المصر- لثوار المجتمع المصر-، فهل يستحق هذا الجيش أن نهينه ف- ذكر- الثالث والعشرين من يوليو بالذهاب إل- مقر قيادته تحت شعار «سلمية سلمية» ثم نقذف مقر القيادة بالأحجار كما فعل البعض بوزارة الداخلية-
ويقودنا هذا إل- تساؤل آخر، هل أصبحنا لا نفرق بين الجواسيس وبين قادة العمل الوطن- عل- أرض الواقع، بدعو- الجمعيات الأهلية الت- تدع- تقديم خدمات ف- مجال حقوق الإنسان أو الدفاع عن المرأة أو رصد الأحوال ف- المناطق العشوائية-
--
قد لا يتذكر الجيل الحال- قصة المدعو «عبد الله كنج» وكان موظفا صغيرا بمعسكرات القناة الت- تضم جنود الاحتلال الإنجليز-، وكانت مهمته الأساسية ه- تقديم تقرير يوم- عن حياة البشر العاديين ف- مدن القناة، ومن هم المؤثرون من شبابهم، وما الذ- يمكن أن تقدمه الإدارة الإنجليزية ك- يرض- أهل السويس وبورسعيد والإسماعيلية عنهم-، وطبعا لم تسلم تقاريره من التطور حت- صارت مكثفة عل- مهمة أساسية وه- الكشف عن أعمال الفدائيين الت- كانت ترهق معسكرات الإنجليز أثناء تفاوض ثوار 1952 مع الحكومة الإنجليزية. وما أن تم اعتقال « الكنج »، حت- هاجت بريطانيا مدعية أنه يحمل الجنسية الإنجليزية، ولم يتراجع إصرار الثوار عل- محاكمته علنا أمام محكمة الثورة برئاسة عبداللطيف البغداد-، وكان الحكم هو الإعدام الذ- تم تنفيذه عل- الفور ف- هذا الخائن.
--
كل ما سبق رويته لأنن- أومن أن مؤسسة القوات المسلحة ه- أكبر مؤسسة تملك العلم ف- وطننا، ويكف- أن نقارن بين أ- خريج من أ- كلية عسكرية وخريج أ- كلية مدنية لنتعرف عل- فارق مستو- التفكير والتحصيل والقدرة عل- اتخاذ قرار.
ولعلنا نلحظ أن خصمنا الأساس- الذ- يسع- إل- تفتيت أ- قدرة مصرية وه- إسرائيل لايوجد بها سياس- واحد لم يسبق له الخدمة ف- المؤسسة العسكرية.
ولا يعن- هذا أن- مع عسكرة الدولة، ولكن أعن- أن ننظر إل- من اتخذوا قرار حماية الثوار بعيون الاحترام.
--
مرة أخر- لا أحلم أن نظل أسر- تقديس الماض- بدعو- أننا مصريون، ولا أرض- بأن نكون قرودا نلعب عل- أنغام العصا الأمريكية المحشوة بالدولارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.