تشتهر مدينة وينزهو الصينية بصنع الاحذية والأزرار والنظارات والمحولات الكهربية وصمامات المياه ونحو 70% من إنتاج العالم من ولاعات السجائر ولكن أشهر منتجاتها هم المتعهدون الذين يتميزون بروح المخاطر وتأسيس الشركات الناشئة والصغيرة. ولأنها مدينة محاطة بالجيال وقليل من الأرض الصالحة للزراعة علي الشاطئ الجنوبي الشرقي للصين فقد اعتمدت وينزهو لقرون عديدة علي التجارة. وحتي في عصر ماوتس تونج الشيوعي عندما كانت الرأسمالية محاصرة وتتعرض للهجوم الشديد ظلت المشروعات الخاصةموجودة علي الدوام في هذه المدينة. وفور أن بدأت الصين الاتجاه إلي اقتصاد السوق في عام 1979 ازدهر المشروع الخاص في وينزهو من جديد بل وشاع في الصين كلها ما يمكن أن نسميه "نموذج وينزهو" لمشروعات الصناعات التحويلية الصغيرة منخفضة التكاليف. وفي هذه المدينة حاليا 140 ألف شركة قطاع خاص، كما أن خبراتها التجارية أو بالدقة تراثها التجاري صار يستثمر الآن في كل أنحاء الصين وفي تلك القطاعات من القطاع العقاري إلي قطاع المناجم. وأصبحت المدينة مركزا ورمزا لجدوي المشروع الخاص في كل أنحاء البلاد. ولكن مجلة "تايم" تقول إن سمعة وينزهو تعرضت في الفترة القليلة الماضية لضربة خطيرة حيث تعرض العشرات من أصحاب المصانع الخاصة للتعثر في سداد ما عليهم من ديون وقام اثنان منهم علي الأقل بالانتحار تخلصا من هذه المشكلة. ويرجع جزء من مشكلة التعثر هذه إلي تراجع الطلب العالمي علي منتجات وينزهو بسبب ضعف الاقتصادات الأمريكية والأوروبية، وجزء آخر إلي تزايد أجور العمالة وجزء ثالث إلي ارتفاع أسعار المواد الخام المستخدمة وإلي جانب ذلك فإن الارتفاع المتدرج لسعر صرف اليوان جعل بعض المنتجات الصينية تفقد جزءا من قدرتها التنافسية. ويقول كاي جيانجو وهو صاحب شركة للنظارات في وينزهو إن طلبيات التصدير تراجعت هذا العام والعام السابق وأن هذا وجد ضغوطا مزعجة علي أصحاب المصانع. وهذا الرجل كان قد بدأ تأسيس شركته بنحو 1200 دولار وثمانية عمال في عام 1997. واليوم صار يشغل 100 عامل وينتج 30 ألف نظارة شهريا معظمها للتصدير ولكنه يشعر الآن بصعوبة موقفه وأمثاله من أصحاب الشركات الصغيرة. والحقيقة أن السبب الأساسي في أزمة وينزهو وناسها يكمن في تقاليد عمليات الاقراض الخاصة التي تجعل المقترضين أقرب إلي المرابين. فالبنوك الصينية المملوكة للدولة تفضل اقراض الشركات الكبيرة التي تمكلها الدولة أيضا. وهذا ما جعل أصحاب المشروعات الناشئة والصغيرة في وينزهو يلجأون إلي الاقتراض من نظرائهم في القطاع الخاص ويقول هو زهنهوا أستاذ الاقتصاد في جامعة وينزهو إن التمويل الخاص وكذلك المشروعات الخاصة توأمان ولا يستطيع أحدهما أن يعيش بدون الآخر. وقد تعرضت هذه العلاقة لتوتر شديد في الفترة الأخيرة. لأن حكومة الصين المركزية لجأت في سعيها إلي السيطرة علي التضخم خلال العام الأخير إلي تقييد الائتمان المصرفي مما أدي إلي مزيد من التوسع في عمليات الاقراض السرية التي يقوم بها المرابون. وفي وينزهو ذاتها يلجأ المستثمرون المحليون بل وبعض الشركات الخاصة في المدينة إلي البحث عن أعلي ربح من عمليات الاقراض السرية حيث يبلغ سعر الفائدة علي هذه القروض 60% سنويا ولكن حتي هذا النوع المجحف من القروض الربوية لم يعد متاحا بشكل منتظم حيث انهارت سوقه علي نحو آثار أزمة بالغة العنف في تلك المدينة التي صار أهلها كلهم تقريبا ينتمون إلي إحدي الخانتين إما مقرضين أو مقترضين. ولا يخفي بالطبع أن قدرة أصحاب الشركات الناشئة في وينزهو علي الاقتراض من القطاع الخاص رغم فوائده العالية والربوية كانت مفتاحاً من مفاتيح النجاح الاقتصادي لهذه المدينة نظرا لعدم وجود ائتمان مصرفي ذو سعر فائدة معقول ولذلك فإن اختفاء هذا المفتاح هو الآخر يعرض اقتصاد الميدنة للانهيار.وإذا وضعنا في الاعتبار أن هذه ظاهرة متكررة في مختلف أنحاء الصين فالأمر المؤكد أن انهيار اقتصاد وينزهو سيكون صدمة لها توابعها المؤكدة علي المستوي الوطني كله. وقد وصفت صحيفة شنغهاي "دايلي"ما حدث في وينزهو بأنه يشبه أزمة الرهن العقاري