عندما حقق ميزان المدفوعات المصري عجزا بعد الأزمة المالية العالمية وبلغ العجز 4.3 مليار دولار في نهاية العام المالي 2008/2009 اكدنا ان هناك انخفاضا في ناتج الميزان يعتبر هو الأكبر في تاريخه، إذ كان الفائض قد بلغ خلال عام 2007/2008 ما قدره 4.5 مليار دولار أي أن هناك انخفاضا بالمقارنة بين عامي 2007/2008 و2008/2009 بلغ 8.8 مليار دولار أما ما يحدث الآن فهو أمر غير طبيعي ولم يحدث في تاريخ ميزان المدفوعات من قبل اذ تحول ناتج الميزان من فائض بقيمة 600 مليون دولار نهاية ديسمبر الماضي الي عجز قدره 1.6 مليار دولار في نهاية مارس الماضي ليكون الانخفاض في ناتج الميزان بقيمة 7.6 مليار دولار في أشهر يناير وفبراير ومارس فقط وهو ما يجعلنا نعرج علي الميزان ونحلله لنصل الي الأسباب الظاهرة لتحقيق هذا العجز الكبير ونصل منها للتوقعات المؤكدة للأسباب الحقيقية غير المعلنة للعجز مع تقديمنا حلولا عاجلة وحلولا متوسطة وطويلة الأجل لكيفية علاج هذا العجز. حقق ميزان المدفوعات فوائض مالية خلال أربعة أعوام متتالية قبل الازمة العالمية بلغت 5.18 مليار دولار أسهمت وبشكل كبير في تدعيم الاحتياطيات الدولية لمصر وهذه الاحتياطيات مهمة في توفير السيولة الدولية التي هي ببساطة شديدة مدي ملاءمة وكفاية وسائل الدفع والاحتياطيات الدولية للبلد لمواجهة العجز في ميزان المدفوعات دون احداث تغييرات غير مرغوبة في أهدافها وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي فهي صمام الأمان لمجابهة أي ضغوط خارجية وقد تحقق هذا الفائض تحديدا منذ العام المالي 2004/2005 إلا أنه ومع نهاية العام المالي 2008/2009 حقق الميزان عجزا بلغ 4.3 مليار دولار كنتيجة مباشرة للأزمة المالية العالمية. وقبل العرض والتحليل المالي لميزان المدفوعات لابد من الاشارة لماهية ميزان المدفوعات. وميزان المدفوعات هو بيان احصائي يسجل المعاملات الاقتصادية بين الاقتصاد المحلي والعالم الخارجي خلال فترة عام مالي.. وتنقسم معاملات ميزان المدفوعات الي مجموعتين من المعاملات: 1- حساب المعاملات الجارية: وينقسم الي مجموعة الموازين التالية: ا) الميزان التجاري "ويشمل حصيلة الصادرات والمدفوعات عن الواردات". ب) الميزان الخدمي "متحصلات ومدفوعات النقل والحكومة والسفر". ج) ميزان الدخل "متحصلات ومدفوعات دخل الاستثمار". د) صافي التحويلات "تحويلات العاملين بالخارج والتحويلات الرسمية التي تشمل المنح والهبات من وإلي الخارج. 2- الحساب الرأسمالي والمالي: ويشمل حركة رءوس الأموال: ا) الحساب الرأسمالي "وتسجل في هذا الحساب التحويلات الرأسمالية التي تتكون من التحويلات التي تؤدي الي تغيير في ملكية أصول ثابتة أو قيام الدائنين باسقاط الدين الخارجي المستحق علي المدين دون تلقي أي مقابل له". ب) الحساب المالي "وتسجل في هذا الحساب المعاملات في الاصول والالتزامات المالية الخارجية وتشمل الاستثمارات المالية المباشرة واستثمارات محفظة الاوراق المالية وكذا الاستثمارات المالية الاخري التي تشمل صافي التسهيلات الائتمانية والقروض بآجالها المختلفة وايداعات واستثمارات البنوك العاملة بمصر في الخارج وكذا الأصول والخصوم الاجنبية للبنك المركزي المصري. هذا ببساطة كل ما يتعلق بميزان المدفوعات المصري الذي يتم إعداده وفقا للطبعة الخامسة لدليل ميزان المدفوعات الصادر عن صندوق النقد الدولي "سبتمبر 1993". أولا: التغيرات التي طرأت علي الميزان التجاري: الواقع يؤكد ان الميزان التجاري لمصر يحقق عجزا مزمنا يتزايد باطراد حتي وصل الأمر إلي أن اصبحنا نستورد بقدر ما نصدر مرتين. وكان الميزان التجاري قد حقق أكبر عجز له بعد الأزمة العالمية مباشرة ثم استمر العجز علي ضخامته لثاني عام بعد الأزمة. وقد شهد الميزان التجاري بعد الازمة العالمية مباشرة تحقيق انخفاض في الواردات لأول مرة منذ عشر سنوات قبل الازمة وقد بلغ الانخفاض 5.2 مليار دولار "خلال العام المالي 2008/2009" الا ان زيادة الواردات قابلها انخفاض أكبر في الصادرات بلغ 3.4 مليار دولار ليحقق الميزان التجاري أكبر عجز في تاريخه بلغ 2.25 مليار دولار ثم جاء العام المالي الثاني بعد الازمة "2009/2010" ليشهد انخفاضا طفيفا للعجز لم يتجاوز ال1.0 مليار دولار وكان من المتوقع ان يشهد الميزان التجاري عجزا متزايدا خلال العام المالي الحالي "2010/2011" الا ان احداث ثورة يناير