هناك تفاوت كبير بين أولويات الناس وأولويات النخبة فالناس لا يتحدثون عن الدستور أولاً أو ثانياً أو أخيراً والفرخة واللا البيضة.. وإنما شكوي الناس بعيدة عن هذا تماماً، فالناس لم تتحسن حياتهم بعد الثورة بل بالعكس زادت صعوبة الحياة ولديهم أمل في بكرة.. في أن يكون لهم مكان آدمي للسكن ورغيف خبز بدون طوابير وازدحام، ومدرسة وعلاج، ووسائل مواصلات دون تحرش أو التعرض لحوادث الموت. مازال الفقر يتم التعامل معه بتجاهل باعتبار أن الهم كبير وثقيل وبالتالي فإن الناس هم دائماً الحيطة المايلة التي ظل الحكام والمسئولون يهملونها.. الفقر يوجع القلب، واحد من كل اثنين مصريين فقير، بل هناك 20 مليون مصري تحت خط الفقر وهذه الحقيقة مخجلة، والثورة لما قامت، قامت من أجل هؤلاء، ومن أجل الكرامة التي أهدرت وكان هناك شعور عام أن ما يحدث في مصر غلط في غلط وزاد عن حده وفاق قدرة الناس علي الصبر. الآن نحتاج إلي تصور اقتصادي جوهره أن النمو لابد أن يصل إلي الفقراء ويعود عليهم وليس علي الأغنياء فقط كما كان يحدث في النظام السابق.. فالمطلوب النمو الذي يحقق العدالة الاجتماعية، وليس استفادة حفنة من أصحاب المصالح. والحقيقة أن الشعب لم يختلف قبل الثورة وبعدها فهو غير منشغل بالانتخابات أو بالدستور أو بالديمقراطية أو حتي بالإصلاح، ولكن أولويات الناس مازالت رغيف العيش وغرفة في العشوائيات وعلاج في حالة المرض، وخليني أتكلم بصراحة: النخبة مازالوا بعيدين عن تلك الأولويات كل البعد، أو علي الأقل هذا ما يعتقده الناس في النخبة.. ولا يعني ذلك أن النخبة لابد أن تنسي موضوع الدستور والانتخابات والمحاكمات وغيرها من المطالبات التي تؤسس لمستقبل أفضل، لكن يعني أن النخبة مقصرة تجاه الناس ولابد أن تلتحم معهم وتقترب من أولوياتهم ومشاكلهم، وتقوم بأدوار، هي في صلب أدوار الحكومة، لكن نظرا لانسحاب الحكومة من أدوارها لعقود ماضية وتراكم المشكلات فإنه لابد للنخبة أن تمد يدها.. تمد يدها لدفع عجلة الإنتاج، ولجمع تبرعات لإعادة البناء وإصلاح العشوائيات وللتخفيف من المشكلات المتراكمة.. والمجتمع المدني قادر علي مد يد العون وذلك سيصب في كفة نجاح الثورة. وأخشي أنه إذا استمر التفاوت في الأولويات أن ينفجر المجتمع ويتصدع وأستحضر كلمات آلان جريش رئيس تحرير لوموند ديبلوماتيك في حواره مع "المصري اليوم" الأسبوع الماضي عندما نبه إلي ازدواجية خطيرة في مواقف الحكومة التي تعتبر مطالبة عامل فقير بأجره مطلبا فئويا بينما تستجيب لرجال الأعمال وتلغي الضرائب! إنها قصة ترتيب الأولويات مرة أخري.. فأسئلة العدالة وتخفيف الفقر لا تحظي بالأهمية الواجبة مثل قضية الدولة المدنية أم الدولة الإسلامية التي تعتبر قضية رفاهية بالنسبة للفقراء في الوقت الراهن، ولو أردتم قياس ذلك تفحصوا وسائل الإعلام سواء الصحافة أو برامج التليفزيون، فستجدون أنها لا تركز علي حياة الناس وتذليل صعوباتها، لكن الطبق اليومي الحريف هو خناقات ما بعد الثورة.. بين الإخوان ومن سواهم من القوي السياسية والدعاية لكل فصيل.. وناسين تماما الأوضاع الاجتماعية في الصعيد والقري والأرياف ومازال الإعلام لا يصل إليهم وتركيزه الرئيسي علي العاصمة وهو يرتكب نفس أخطاء النظام السابق، حتي السويس التي هي قلب الثورة ومفجرتها انتبهت إليها البرامج بعد خمسة أشهر من الثورة، صح النوم!