منير عامر أول أمس كان هو منتصف أيام جولات عماد الدين أبوغازي في محافظات مصر، فقد كان في أسوان، بعد زياراته لعشره محافظات علي الأقل سواء في الدلتا أو الصعيد، ولأن عماد في الأساس أستاذ توثيق، لذلك رجوته أن يجلس كل مساء أمام جهاز تسجيل ما سمع وما رأي، فنحن أبناء القاهرة ندعي معرفتنا بكل أحوال الوطن، ولكن الواقع يختلف حتما. علي الأقل هناك سوء تغذية عقلية وجسدية وروحية انتشرت كالفيروس الخبيث في أنحاء مصر من بعد سنوات الانفتاح السداح مداح، وأي وزير من وزراء عصر السادات أو عصر مبارك كان يتلهف علي السفر لا إلي داخل مصر ولكن إلي خارجها. وعندما جاء عماد أبوغازي إلي مهمة وزير الثقافة، لم تكن الحكاية جديدة عليه، فهو أصلا ابن وزير ثقافة سابق في عصر السادات، ووالده ترك الوزارة بعد أن رفض تسليم متحف محمد محمود خليل ليكون بيتا للرئيس السادات، فتم استبداله بمن يوافق علي تلك الحكاية وبالفعل أصبح متحف محمد محمود خليل مقرا لأسرة السادات وتم بناء ملحق خاص بالأسرة ومازالت تقيم به حتي كتابة هذه السطور، أما المتحف فقد استرده فاروق حسني الذي أصر علي أن كنوز متحف محمد محمود خليل لا يجب أن تظل مقصورة علي أسرة رئيس الجمهورية. وحين جاء عماد أبوغازي وزيرا أراد أن يعيد التعرف علي ملامح الوجوه المصرية التي تعمل في دائرة الثقافة، سواء في مديريات الثقافة المنتشرة في أنحاء مصر، أو في قصور الثقافة بالأقاليم، فمجرد إحساس البشر بأن قائد العمل يوجد بينهم ومعهم، فهذا يرفع من معنوياتهم ويذكرهم بالمهام بعد أن يسمع الأوجاع والحكايات. ولأني من عشاق التوثيق، إلي الدرجة التي تمنيت فيها ذات نهار قديم أن ننشئ فرقا للمسح الأنثروبولوجي في جميع أنحاء الخريطة المصرية، ولم أمل من الدعوة إلي ذلك طوال سنوات بعيدة منذ أن تعرفت علي أفكار أستاذنا الرائع د. أحمد أبوزيد الذي شرح لنا في نهاية الخمسينيات أهمية العادات والتقاليد وأساليب التفكير وفائدة أن نجمع كل التفاصيل عن أدق عادات الشعوب. ولكن لم تكن معاركنا في الداخل أو الخارج تسمح لأحد بالاستجابة إلي دعوتي اللهم إلا دراسة جادة عن أهل مطروح وقبائلها قام بالإشراف عليها أستاذنا أحمد أبوزيد أطال الله عمره. وإذا كانت دعوتي لم تجد استجابة من قبل وزراء الشئون الاجتماعية أو خبراء المركز القومي للبحوث وأساتذة أقسام اجتماع، فلا اقل من أن أطلب من عماد أبوغازي أستاذ التوثيق أن يقول لنا: ماذا رآي في المحافظات الأحدي عشر التي زارها، وسيكون أمامنا كتاب ملهم لا لأن كاتبه وزير، ولكن لأن من سيكتبه هو إنسان يتمتع بأعلي درجات الأمانة علي أي مستوي من المستويات. ولا أشكر في عماد أبوغازي لأنه وزير، ولا لأنه بمثابة أخ لي في مهمة صعبة، ولكن لأنه في الأساس رجل يستطيع أن يقول للمصيب شكرا وللمخطئ "هذا هو خطؤك"، وفي كل الأحوال لا يضع في صوته تلك الزمارة التي يضعها بعض المسئولين في حناجرهم، عماد أبوغازي ببساطة رجل أمين.