لا يوجد شخصية سياسية علي المسرح السياسي المصري حاليا تواجه كما من الشائعات والأكاذيب مثل ما يتعرض له الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية والمرشح حاليا للرئاسة المصرية. فالبرادعي يواجه باتهامات من نوع أنه من دعاة العلمانية، وأنه أسهم في ضرب و"تضييع" العراق وأنه عميل للغرب.. وما إلي ذلك من أقاويل تستهدف النيل منه ومن سمعته. والواقع أن الدكتور البرادعي الذي سبق وعبرنا عن اختلافنا معه في رؤيته لبعض القضايا أو تصوره لكيفية معالجتها لم ينل ما يستحق من تقدير واحترام لدوره المؤثر في التمهيد لثورة 25 يناير. فالبرادعي الذي عاد لمصر قبل عامين بعد فترة عمل طويلة بالخارج حرك المياه الراكدة في الساحة السياسية المصرية وكان ظهوره بالساحة وحديثه عن التغيير باعثا للشباب علي تجميع جهودهم وقيادة مسيرة التغيير، فقد عبر البرادعي عن آرائه بأن الأمل معقود علي جيل الشباب الذين ليس لهم ترتيبات مع النظام ولديهم المستقبل أمامهم بعيدا عن النخبة الذين سمحوا لأنفسهم بأن يصيبهم النظام بالفساد وهي نخبة لا تريد أي تغيير. ولأن البرادعي كان ملهما لحركة التغيير السلمي الجديد فقد انصب الهجوم عليه من كل الأطياف السياسية مما منح الفرصة لشباب الإنترنت بالعمل في هدوء وتنظيم بعيدا عن أعين النظام الذي كان منشغلا فقط بتشويه البرادعي وأسرته. ولكنه سبب قلقا كبيرا للنظام السابق، فهو يتمتع بحصانة دولية وعلاقات متشعبة مع قادة العالم، والاقتراب منه قضية بالغة الصعوبة، وما كان يقوله كان أكثر صعوبة للنظام فهو أول من استخدام كلمة التغيير بديلا عن كلمة الإصلاح، كما بدأ في تسويق ونشر لغة جديدة لمعني التغيير تعتمد علي التخلص من ثقافة الخوف التي أوجدها النظام. وساعد البرادعي علي نشر أفكاره بين الشباب ظهور قضية الشاب خالد سعيد في الإسكندرية الذي اعتبر شهيدا لقانون الطوارئ والذي قتل علي يد ضابط شرطة واثنين من المخبرين وهي قضية تناقلتها مواقع الإنترنت واهتمت بها جمعيات حقوق الإنسان وتسببت في كثير من الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات في مصر. وكانت القيمة الحقيقية لقضية خالد سعيد أنها ألهمت وأثارت حماس شباب مصر علي مواقع الإنترنت فأطلقوا الكثير من المواقع الالكترونية التي اهتمت بأحوال المصريين وما يتعرضون له من مضايقات وتعذيب في ظل قانون الطوارئ وانتهاك حقوق الإنسان وأسهمت هذه الصفحات في حشد أعداد كبيرة من الشباب الذين كان البرادعي يبحث عنهم من قبل وينتظر حادثا مماثلا يسهم في تجميعهم وتحريكهم. وأصبح حادث مقتل خالد سعيد هو بمثابة أيقونة الغضب الشعبي أو "بوعزيزي مصر" حيث تجمع المصريون حوله للمطالبة بحقوق الشعب و"أخذ حق أخونا"! وتوحدت كل هذه الجهود وتبلورت في الاستجابة الشبابية الرائعة لوقفة 25 يناير التي تحولت إلي ثورة باركها الشعب والتف حولها بعد أن ترجم الشباب وعبر عن كل تطلعات وأحلام السنين والتي وقفنا جميعا عاجزين عن تحقيقها أو أن يحدونا الأمل في أنه كان من الممكن التفكير فيها. ويستحق البرادعي لذلك أن نعتذر له بأننا لم نكن علي مستوي رؤيته وشجاعته، وأننا لم نسانده بما يكفي فقد وقفنا مع دعوته للتغيير، واختلفنا معه في كيفية التغيير، ولكننا احترمنا رؤيته ودوره ونقف معه اليوم في مواجهة ما قد يتعرض له من تشهير واتهامات لا تليق بما قدمه الرجل وبما أحدثه من حراك سياسي مختلف في المجتمع المصري وبما أحدثه أيضا من تغيير. إن من حق البرادعي أن يشعر بالأسي والألم عندما يري أن البعض قد قذفوه بالحجارة في منطقة الزلزال في المقطم عند التصويت علي الاستفتاء، فالبرادعي بتوجهه للتصويت هناك كان يأمل في الاحتفال بالحرية مع الجماهير التي طالب بالتغيير من أجلها، وأن يستقبلوه بالورود وليس بالحجارة.. ولكنها السياسة وآلاعيب البعض القذرة تحجب الحقيقة وتجعل من الأبطال عملاء والعملاء أبطالا.. ويحدث هذا وسيظل يحدث لأن الشرفاء لا يجيدون حيل ومكائد