جاءت الخطوة التي أعلن عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبومازن" لزيارة غزة، التي لم يدخلها منذ نحو أربع سنوات، كاستجابة مباشرة لدعوة وجهها اليه رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية، لكن خطوة عباس هذه جاءت مشروطة بأن زيارته لغزة التي تسيطر عليها حركة حماس منذ يونيو 2007 لن تكون للحوار، بل للاتفاق علي تشكيل حكومة تكون من أولويات مهامها اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية لأنه يريد تسليم الأمانة وهو مطمئن البال - علي حد قوله -. غير أن هذا الحراك الذي يسود أجواء القيادة السياسية في السلطة الفلسطينية، ما هو إلا حالة من التواؤم مع الظروف الجديدة التي تشهدها المنطقة العربية برمتها، وبدأت تشهدها الساحة الفلسطينية التي خرج شبابها بعشرات الآلاف من الضفة وغزة ضمن مظاهرات حاشدة للمطالبة بانهاء الانقسام، وهتف جموع المتظاهرين بشعار واحد وهم يرفعون العلم الفلسطيني "الشعب يريد انهاء الانقسام".. و"يا عباس ويا هنية.. بدنا وحدة وطنية". وقد عبر عباس عن تأييده لهذه التحركات بقوله إن الشعب الفلسطيني اليوم يعبر من خلال مظاهرات عارمة علي تطلعاته لانهاء الانقسام والاحتلال وهذا يظهر أصالته ونحن معه في هذا السعي لانهاء الانقسام والاحتلال. كما قرر عباس أنه لن يترشح مجددا لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية، وهي خطوة لافتة أن يضيفها في الدعوة التي وجهها إلي حكومة غزة المقالة، التي طالما شككت هي وحركة حماس شرعية رئاسة السلطة بحجة أن الأراضي الفلسطينية لم تعرف انتخابات منذ 2006. لأول مرة تعترف حماس منذ سيطرتها علي غزة بايجابية واحدة للسلطة، فمعني ترحيبها بتوجه عباس هذا ورؤيتها في خطابه بأنه رد ايجابي علي مبادرة هنية الداعية لزيارة عباس لغزة، ربما يكون بداية لانهاء أزمة اشتعلت منذ أربع سنوات، وفقد الأمل في اطفاء لهيبها خاصة في ضوء الزخم الشعبي الكبير الذي يصر علي انهاء هذا الملف ومن هنا أيضا كانت مبادرة هنية التي لولا خروج عشرات الآلاف في مظاهرات بشأن هذا المطلب وبالذات في غزة رغم قمع أجهزة أمن حركة حماس لها، لما جاءت هذه المبادرات ولما تحرك الوضع الفلسطيني عن جموده قيد أنملة اللهم سوي التباري في كل الاتهامات المتبادلة بين الطرفين وتصيد المواقف والأخطاء كل للآخر، والتنافس في كيفية اعتقال عناصر كل طرف للآخر، الأمر الذي عقد الوصول لحلول جوهرية، وعقد المشروع الوطني بالكامل، وأوصل الشعب الفلسطيني لحالة من اليأس بلغت منه كل مبلغ. وربما يتساءل الكثيرون بعد هذه المبادرة التي أعلن عنها عباس عن فرص نجاح المصالحة الفلسطينية، فتاريخ العلاقات بين السلطة وحماس تجعل لدي الكثيرين شكوكا في انجاز هذا الملف رغم أن رئيس السلطة محمود عباس كلف وفدا بالتوجه إلي قطاع غزة لبحث ترتيبات زيارته المرتقبة، كما دعا قيادات من حركة المقاومة الإسلامية حماس بالضفة الغربية إلي لقائه في رام الله. تحرك الرئيس عباس إلي غزة ينتظر الموافقة الصريحة من حماس علي البنود التي أعلن أنه سيزور غزة من أجلها، ومنها تشكيل حكومة وحدة وطنية من شخصيات محايدة تتولي التحضير لاجراء انتخابات عامة خلال ستة أشهر، وهذا في حد ذاته دعا حكومة هنية إلي عقد لقاءات مع مستشاريه وقيادات في الفصائل الفلسطينية في غزة لبحث آليات استقبال عباس وانهاء الانقسام السلمي للسلطة؟ وهذا الأمل لا يخلو من مخاوف الاتفاق عليه من فصائل أخري استغربت ما سمعتها إعادة سياسة تكريس أزمة الانقسام بعيدا عن الحوار الوطني الشامل، وصمت الفصائل الوطنية التي طالما تحدثت كثيرا عن المخاصمة الثنائية وهو ما عبرت عنه جبهة التحرير الفلسطينية في أول استهلال لها وتعليق علي المبادرة، وربما هذه الحالة سيكون من الضروري الأخذ بالاعتبار كل توجهات وآراء الفصائل حتي لا تفشل المبادرة التي خرج من أجلها جموع الشعب الفلسطيني الذي اكتوي بنار الأحزاب والتيارات السياسية المتصارعة، خاصة أن المبادرة تهدف إلي تثبيت أولي الخطوات الفعلية لانهاء الانقسام، وربما الميزة التي كانت حاضرة في هذه المبادرة للقاء المرتقب أنها لم تنتاول نقاطا خلافية كالاعتقال السياسي والتعذيب والفصل الوظيفي، والمفاوضات وتكتسب المبادرة أهميتها من كونها تأتي بعد مبادرة من غزة قوبلت بالقبول والرضا في الضفة الغربية، فالأوضاع الفلسطينية وصلت إلي حالة من التردي لم تعد تحتمل مزيدا من الانقسام.