منير عامر كان الطريق إلي الإسكندرية مزدحما بأمطار يوم الأحد، حيث انفتحت السماء كأنها صنبور تغسل عن الطريق الصحراوي رمالا عاصفة، وضباباً بغير حدود. وعندما وصلنا أخذ المطر يكشف عيوب الثغر، تلك العيوب الهائلة التي لم يفلح النظام الاشتراكي في إزالتها، وهو نظام استمر في حكم مصر 10 سنوات بالتمام والكمال، منذ عام 1961 وحتي رحيل الرئيس جمال عبدالناصر وتولي حكمها اثنان من المحافظين كان لكل منها قامة شاهقة وقيمة فعلية في التفاعل مع البشر هما علي وجه التحديد حمدي عاشور الذي كثيرا ما قمت بمناكفته والشغب معه عبر صفحات روزاليوسف، حيث كان للرجل فضل اكتشاف ان 40% من منازل ومباني عروس البحر المتوسط معرضة للذوبان بفعل التواجد علي شاطئ المتوسط، وحاول الرجل أن ينشط حركة البناء بلا طائل وجاءت هزيمة 1967 لتسرق من المصريين رفاهية بناء منازل للحياة المقبولة فقد اتجهت كل قدرات المدينة مثل بقية انحاء مصر لمساندة ودعم المجهود الحربي، الشباب يتخرج من الجامعات ليقف علي خط النار. وجاء المحافظ الثاني الذي أكن له عميق الاحترام بغير حدود وهو اللواء أحمد كامل، هذا الثوري المنظم الذي حاول رغم كل الاستعدادات للحرب أن يوفر للمدينة توسعا أفقيا ليعيش أهل الإسكندرية في الأمل في بيوت يسكنها الأبناء. ومازلت أتذكر كيف كان يفكر في نقل مصانع النحاس خارج المدينة ليبني أحياء سكنية علي أراضيها الشاسعة ولكن جمال عبدالناصر اختاره مديرا للمخابرات الحربية ثم قبض عليه السادات في تلك القضية الغريبة في التاريخ المصري المسماة قضية 15 مايو 1971 وهي قضية ملفقة تماما، وكان يكفي ان يقبل السادات استقالات طاقم العمل مع جمال عبدالناصر ولكنه قرر اعتقالهم جميعا، وفقدت مصر ومعها السادات طاقم عمل فريداً من ساسة كان بإمكانهم أن يخدموا الوطن بما يفوق خياله، ولكنه كان يملك من الشك، فضلا عن أنهم كانوا يملكون من المعلومات ما جعله كارها لبقاء أي منهم خارج أسوار السجون، علي الأقل كان بإمكانه الاحتفاظ بمحمد فائق الذي كان سيضمن لمصر تواصلا إفريقيا، وكان سيملك قدرات أمين هويدي في اتساع الرؤية. ثم جاء إلي الإسكندرية عدد من المحافظين لم يكن الواحد منهم علي ثقة في نفسه أو ثقة في جمهورها الذكي جدا، مما أعطي جماعات الإسلام السياسي طاقة هائلة. هذا ما كنت أفكر فيه أثناء الطريق إلي مدينة ميلادي التي أحبها كثيرا والتي تحتاج إلي بناء ثقة بينها وبين الحكم المحلي ليعود إلي قوته وقدراته بدلا من ان نعيد سماع صوت السادات الراحل وهو يوصي أحد تجار الخشب "إسكندرية في رقبتك يا حاج رشاد". علي أية حال تم استنزاف الكثير من إحساس المواطن السكندرية بقيمة مشاركته وسبح هو الآخر في الأنانية مما انتج مباني عالية بدون أساسات فتساقطت فوق رءوس سكانها. ولكن ليس هذا نهاية مطاف ما مر بخاطري وأنا في الطريق للمدينة التي مازلت أري انها رائعة وجميلة بالحلم لا بالواقع.