لا يربطني بوزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط إلا "أداؤه العام" الذي أحترمه لأسباب ثلاثة، الأول أنه لا ينافق الجماهير، والسبب الثاني أن منهجه العقلانية، والسبب الثالث أنه يدرك الفرق بين التعامل مع دولة أو أفراد. وقد رأيت أبو الغيط لأول مرة في نيويورك حين كان مندوب مصر الدائم في الأممالمتحدة وحاورته وكان خلفيتنا مبني الأممالمتحدة الشاهق الانطباع الذي تركه أبو الغيط عندي هو أنه مرتب التفكير، محدد الكلمات، واقعي النظرة، ولما جاء أبو الغيط وزيرا للخارجية، عرفته كمحاور أكثر واتذكر أنني قدمت حوارا مطولا معه في "الشأن الداخلي" ولمست أن أبو الغيط ليس مزروعا في الشأن الخارجي فقط ولكنه "متابع" شديد لمناحي الحياة الداخلية كمواطن مصري يسكن في ريف مصر ويستقل سيارته من بيته إلي القاهرة في حوالي ساعة من الوقت يقضيها في قراءة صحف الصباح وعرفت في أبو الغيط انضباطا شديدا ربما بسبب خلفيته العسكرية. وخلال حواري المرئي لاحظت اهتمامه بالمعلومة، فقصدته ذات مرة اسمع وجهات نظره وأنا استعد للسفر للسودان وتكلم معي عن رؤيته المصرية للسودان ثم اطحبني من مكتبة إلي مكتب آخر يجلس فيه مجموعة من شباب الخارجية النابهين في الأمور الافريقية وأعطيتهم اصغائي وقصدته مرة أخري وأنا أستعد للسفر إلي أثيوبيا لأسمع وجهات نظره في علاقة القاهرة بأديس أبابا ليضيء لي الطريق، فالملف حاضر في ذهنه المتوقد بكل التفاصيل ذات الدلالة. لاحظت أن الوزير أبو الغيط في السفريات التي تجمعه بالسيد عمر سليمان تحتاج لصبر أيوب خصوصا في العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية أو الشأن الفلسطيني الفلسطيني! انها رجلا المهام الصعبة الصامتان فطبيعة عملهما تحتاج لهذا الصمت إلا أمام القيادة السياسية حيث يقدمان "المعلومة والتقرير والرؤية" ولا أظن أن وزيرا تعرض للهجوم الثقيل من بعض الاقلام مثلما تعرض أبو الغيط "باستثناء فاروق حسني" وكان سبب الهجوم علي وزير الخارجية أنه لم يكن في مستوي الاحداث الجسام التي مر بها الوطن العربي ونسي هؤلاء أن وزير الخارجية كإنسان مختلف عن وزير الخارجية كمسئول وليس مطلوبا منه لارضاء الشارع أن ينفعل ويغضب ويصيح ويلطم. هذا المنهج العاطفي الرومانسي فيه نفاق للجماهير ولكنه ضد منهج أداء الوزير الذي يعبر عن موقف بلد. وقد تحمل أبو الغيط هذا الهجوم لايمانه بأن "غضب الشارع" واحد من آليات السياسة الخارجية والدبلوماسية الشعبية. ما مناسبة الكتابة عن أبو الغيط؟ المناسبة هي مقالاته الأخيرة بعنوان "شاهد علي السلام" التي أقرؤها بمتعة وتقدم لي المعلومة من رجل يجمع بين الانضباط العسكري وانفتاح عقل السياسي ومسئولية الرجل العام بعقلانيته دون تأثر بانفلات غضب الجماهير.