يومًا بعد يوم يثبت أحمد أبو الغيط وزير الخارجية أن الأممالمتحدة ودهاليزها هي منطقة خالصة لمهاراته الدبلوماسية وجاءت الضربة التي وجهتها الدبلوماسية المصرية لإسرائيل في مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار الذي اختتم أعماله في نيويورك قبل أيام متضمنًا إشارة صريحة لإسرائيل في وثيقته الختامية حصيلة الإدارة المحنكة التي تمت علي نار هادئة لهذا الملف من القاهرة وتحديدًا من الطابق الثاني في مبني وزارة الخارجية الكائن علي «كورنيش النيل» حيث مكتب وزير الخارجية فمن هنا كانت تصدر التوجيهات وأطر التحركات لوفد مصر في نيويورك ووفد مصر في جنيف والكل يعمل في سياق مرسوم وفق الاستراتيجية المصرية في هذا المضمار والتي حددتها مبادرة الرئيس محمد حسني مبارك والتي أطلقها عام 1990 باخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. ومنذ عام مضي والتحضير الدبلوماسي المصري لهذا المؤتمر يتم بعناية واستغلت مصر موقعها كرئيس لحركة عدم الانحياز كما كان الحصول علي موقف عربي موحد تجاه هذا المؤتمر هو من الأهداف المدرجة علي الأجندة المصرية في القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في سرت وهو ما حدث. وعلي مدار الشهرين الماضيين كان هناك سجال مصري إسرائيلي معلن في هذه المسألة دفع إسرائيل لشن العديد من الحملات الإعلامية علي وزير خارجية مصر وفي السابع عشر من أبريل الماضي كانت رسالة أبو الغيط التحذيرية لإسرائيل في معرض حديثه عن الفرق بين قمة الأمن النووي التي استضافتها واشنطن ومؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار وقتها قال أبو الغيط بلهجة متشددة إن مصر ستقدم رؤيتها للوضع النووي في الشرق الأوسط وعلي مستوي العالم بشكل متكامل أمام مؤتمر نيويورك وتعلم إلي أين تمضي في هذا الموضوع ولا تخضع لأي «احراج» أو «ابتزاز» وسنستمر في طرح مواقفنا بقوة إلي أن يتحقق لها ما تريد من أجل المنطقة كلها. وفي الثالث من مايو الفائت كشف أبو الغيط - في حديث نشرته جريدة «الأخبار» - أن مصر أعدت جيدًا لهذا المؤتمر وأن هذا الإعداد تم علي فترة زمنية طويلة وشهد هذا الإعداد التحرك في مختلف المحافل المعنية للموضوعات نزع السلاح وسلسلة الندوات التي عقدت في إطار التمهيد لمؤتمر المراجعة وتقوم بالتنسيق مع مختلف المجموعات السياسية والجغرافية التي تنتمي إليها وعلي رأسها جامعة الدول العربية وحركة عدم الإنحياز بالإضافة إلي مجموعة دول ما يسمي «بتحالف الأجندة الجديدة» التي تتولي مصر مسئولية تنسيق أعمالها خلال الفترة الحالية وهي مجموعة تضم مجموعة دول من افريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا متشابهة الفكر فيما يتعلق بموضوعات نزع السلاح وأنه تم اعتماد موقف عربي موحد خلال القمة العربية الأخيرة التي عقدت في سرت بالاضافة إلي ورقتي عمل عربيتين تم اعتمادهما وعدة أوراق عمل قدمتها مصر إلي المؤتمر باسم دول حركة حركة عدم الانحياز بالاضافة إلي ورقة عمل مصرية خاصة بتنفيذ قرار الشرق الأوسط وهذه الأوراق تتضمن عناصر تساعد الدول المشاركة في المؤتمر من عملية تحديد العناصر التي يمكن تطويرها وتضمينها في الوثيقة أو الوثائق التي ستصدر عن المؤتمر وشدد أبو الغيط أن علي رأس المقترحات المصرية المطالبة بانضمام إسرائيل إلي المعاهدة كدولة غير نووية وإخضاع منشآتها النووية إلي نظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية فضلاً عن عقد مؤتمر دولي بمشاركة جميع الأطراف المعنية للتفاوض علي مشروع اتفاق دولي قابل للتحقق من تنفيذه خلال مهلة زمنية محددة لانشاء تلك المنطقة. وبلغة المنتصر عقب أبو الغيط مطلع الأسبوع الجاري علي الوثيقة الختامية للمؤتمر قائلاً أنها عكست العديد من الأولويات بما لا يدع مجالاً لأي إلتباس وبالتالي فإن الخطوة المقبلة ستكون التحرك الحثيث بالتنسيق مع المجموعة العربية ودول عدم الانحياز لبدء المفاوضات حول الترتيبات العملية للمؤتمر المنتظر حول إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية والمزمع عقده خلال عام 2012 والذي ستحضره جميع دول الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل بالاضافة إلي سكرتير عام الأممالمتحدة وكل من الولاياتالمتحدة وروسيا وبريطانيا. نبرة الثقة التي عادة ما يتحدث بها أبو الغيط في أي شأن يتعلق بالأممالمتحدة منبعها إدراك وزير الخارجية بوضع مصر داخل الكيان الأممي وكيفية التحرك داخله ويقف في ذلك علي خبره مهنية عريضة تربطه بالأمم المتحددة بدأها عام 1974 كسكرتير أول بوفد مصر بالأممالمتحدة ثم مستشار بوفد مصر لدي الأممالمتحدة في الفترة من 1985 إلي 1987 ثم مندوب مصر المناوب لدي الأممالمتحدة في الفترة من 1987 إلي 1989 ثم مندوب دائم لمصر لدي الأممالمتحدة في الفترة من 1999 حتي يوليو 2004. وتجدر الإشارة ونحن نحتفي بالانتصار الدبلوماسي المصري أن نشير إلي كتيبة الدبلوماسيين الذين عملوا لتحقيق هذا النجاح بدءًا من أعضاء وفد مصر في نيويورك ووفد مصر لدي الأممالمتحدة في جنيف وصولاً إلي أعضاء مكتب وزير الخارجية.