أفتقد هذه الأيام الكاتب الراحل المستنير أحمد بهاء الدين، أفتقد أسلوب المنطق والعقلانية في كتاباته، أفتقد الرؤي الهادئة والاتزان في نظرته للأمور، أفتقد مخاطبته للعقل، والعقل وحده.. لماذا قفز إلي ذهني اسم أحمد بهاء الدين؟ من فرط الصياح والغوغائية وثقافة "ارقع بالصوت الحياني" وأنت تكسب! ويبدو أنه كلما كان صوتك عاليا أصغي الناس لك وكلما تشنجت وتعصبت وتلعثمت أدركوا انك صادق حتي الثمالة انها لعبة التعامل مع الجماهير، الصوت المرتفع ثم المتهدج ثم الصارخ ثم التشويح بالأيدي وتقطيب الجبين ثم "ذرف الدموع" احيانا، المهم هو التجاوب مع "عواطف" الجماهير وكأننا في مظاهرة مهما كان الحدث يتطلب الروية مع الغضب، ولم يستطع أحد من رؤساء حكومات مصر أن يكون خطيبا مفوها، لا مصطفي خليل ولا عاطف صدقي ولا عاطف عبيد ولا كمال حسن علي، ولا علي لطفي ولا أحمد نظيف، وكل هؤلاء ليست لديهم موهبة مخاطبة الرأي العام بصوت جهوري مفخم ومنفعل ذلك أن الجماهير لا ترضي بديلا عن هذه اللغة وللإحاطة كان رئيس الحكومة فؤاد محيي الدين قادرا علي "مواجهة الرأي العام" لأنه كان وهو طالب رئيس اتحاد الطلبة في كلية الطب وتعامل وتفاعل، وهذه قضية أخري في قدرة المسئول علي "تسويق" نفسه، فهناك مسئول يتمتع بشعبية ومسئول معدوم الشعبية، ولكن القضية الأهم هي لغة التخاطب مع الرأي العام.. لن نتقدم كأمة ونحن نعتمد علي فوران العواطف والكلمات المسجوعة، وقد تعرض وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط لكلمات نقد مملة كلما حدث أمر عام يصفونه بالتخاذل وبالصمت المريب مع أن أبو الغيط القادم من رحم الخارجية والدبلوماسية المصرية الذي تربي في سفارات مصر عبر العالم مع خلفية العمل في الأممالمتحدة كصوت لمصر قادر علي أن يرفع صوته ويهز القاعات ويضع حذاءه علي الترابيزة مثلما فعل خروشوف ويتعلم فنون التعبير والتمثيل في معهد وورشة محمد عبد الهادي حتي يرضي الجماهير المتعطشة الغاضبة للزعيق.. حتي تهدأ، أبو الغيط في حكاية الاعتداء الإجرامي علي غزة كان يستخدم لغة الدبلوماسية وهي قناة مهمة لوزير خارجية مصر. أبو الغيط كان غاضبا حانقاً ربما أكثر منا، ولكن ماذا يفيد الغضب مع عالم جامد المشاعر وألاعيب سياسية وأجندات خفية؟ وفهم الناس فيما بعد أن تخاذل أبو الغيط كان تعقلا، وصمته كان استيعابا لما جري، ومرة أخري يتعرض أبو الغيط لنفس الحملة والانتقاد في حادث استشهاد مروة الشوربجي بطعنات ألماني نازي والإشادة بتصريح ناري للدكتور سرور الذي وهبه الله صوتا معبرا قويا هو إحدي أدواته كرئيس مجلس الشعب. وأقترح علي الوزير أبو الغيط أن يمعن في هدوئه العاصف ومنطقه الغاضب ليتعلم الناس "ثقافة العقلانية"، فالعالم مصالح لا عواطف ومصر تصل إلي مرادها بالتعقل لا بالصياح الأجوف والتعقل هو لغة التعامل مع الغرب.