كيف يمكن الخروج الي لحظة الوعي المضيئة.. والإفلات من الضوضاء والمراوغات.. والترهات؟ السبت: باحث في الفكر الاستراتيجي في المغرب هو »سعيد ناشيد« يقول ان هناك من يعتبرون ان الدين هو الحل،. ولكن السؤال الغائب علي الدوام هو: ما الذي يحله بالضبط؟ ويقول الباحث إن اليمين الديني يحكم اسرائيل وغزة وايران والعراق فهل صارت مشكلة الشرق الاوسط، او المشكلات في تلك الدول، أقرب الي الحل أو التسوية؟ أم أن تلك المشكلات تتفاقم او تواجه الطريق المسدود؟. ويري الباحث المغربي ان اقحام الاديان في مشاكل العالم يفسد الأديان قبل ان يؤدي الي زيادة تلك المشاكل تعقيدا، ويضرب مثلا علي ذلك قائلا. في مصر جماعة تقول ان »الإسلام هو الحل« وفي اسرائيل، يعلن التيار السائد والحاكم ان التوراة هي الحل. وفي الولاياتالمتحدةالامريكية يجمع الانجيليون البروتستانت علي ان يسوع المسيح.. هو الحل. وفي الهند، يؤكد الهندوس ان الهندوسية هي الحل. وفي التبت ومناطق أخري، يقول الاصوليون ان البوذية هل الحل. وهكذا اصبح البعض يقبضون بعنف علي الحلول الدينية مثلما يقبضون بقوة علي الماء الهارب من قبضة اليد. انهم - فيما يري الباحث- يقبضون علي حلول لا تلبث ان تتبدد سريعا لمشاكل تدوم طويلا. والتوظيف السياسي للدين هو ما تمارسه اسرائيل في حروبها التوراتية حين يحمل جنودها معهم التوراة ليقصفوا الاطفال والنساء والشيوخ.. والاشجار. ويحمل مقاتلو السلفية الجهادية في عملياتهم القرآن الكريم، وهم يفجرون أنفسهم وسط سوق شعبي أو عندما ينفجر مجهول منهم في جنازة كائن مجهول مثله. الدين ليس الحل، لانه ليس المشكلة المناعة.. المطلوبة الأحد: تهميش المجتمعات والاطناب بالمزايدات وتغييب النقد ومصادرة العقل وإنكار الواقع، والاستبداد بالرأي.. ذلك هو الطابع العام لعالمنا العربي عند مراجعة الواقع الذي يعيشه. هناك سياسات قائمة علي المراوغة والتورية والانتقائية والغوغائية و»الثورية« اللفظية. وأحيانا تصبح هذه السياسات هي الشيء ونقيضه، وفي أحيان اخري تكون نوعا من التلاعب بعقول الناس ومشاعرهم. وفي بعض الاوقات تسمع في العالم العربي أحاديث عن فظائع معسكر الاعتقال »جوانتانامو« وهي فظائع حقيقية تدين امريكا- بينما لا تسمع أي حديث عن »جوانتاناموهات« في منطقتنا- وفي اوقات اخري، يجري اختزال السياسة الي نوع من المهرجانات وكلما كانت اكثر عددا وتكاثرت فيها الشعارات.. كانت أكثر نجاحا!. يروي لنا الكاتب اللبناني »ماجد كيالي« كيف سمع حديثا تليفزيونيا من شخصية فلسطينية محسوبة علي التيار الاسلامي، تشرح في قناة فضائية ضرورية التزام الدول الاوربية بالتعددية وحقوق الانسان واحترام الرأي الآخر، والتمسك بتراثها العلماني في معاملة مواطنيها المسلمين. وبعد ايام شارك نفس الشخص في ندوة في بلد عربي خصصت للبحث في المصالحة الفلسطينية.. فاذا به يتحدث بلغة اخري مغايرة تماما أي بلغة استئصالية ازاء الاخرين، الذين وصفهم بالعلمانيين الخارجين عن تراث الامة »الاسلامية«!. وهناك بين الفلسطينيين من اوقفوا كل عمليات المقاومة لكي يوجهوا اللوم للآخرين من التنظيمات الاخري.. لانهم لا يقاومون!. البعض في عالمنا العربي يتحدثون عن حقوق الانسان، التي تتعرض للانتهاك في دول اجنبية، ولكنهم يلزمون الصمت عن امتهان الانسان العربي والحط من شأنه ومن كرامته علي ارض هذه المنطقة.. ويلزمون الصمت بشأن غياب دولة المؤسسات والقانون، واستشراء الفساد، وتبديد ثروات الامة. وأصبح لدي البعض منا ثقافة اشتد انحطاطها الي درجة جعلت الفضيلة عيبا والحياة عبئا.. والموت جائزة. أتذكر الان. كلمات الكاتب المسرحي العربي الكبير »سعد الله ونوس« »العالم موحل.. موحل جدا.. والبطولة هي في خوض قاذرواته.. دون ان تتلطخ سمعتك وتفسد لباقتك«. كيف يمكن الخروج من زمن الظلاميات المستشري الي لحظة الوعي المضيئة؟، وكيف يمكن- بعد تدمير مدن عربية كبيرة- بيروت وبغداد والقدس وغزة ورام الله ومقديشيو.. ان نحمي ارادة الكلمة المستقلة الناقدة.. من التدمير؟. كيف نفلت من منظومة الترهات الدولية ومن آلة الضوضاء العربية، حيث يسود الخلط والايهام وقبضات القوة الغاشمة؟ وكيف نحصن انفسنا حتي لا نصبح مبشرين بفضائل »النيوليبرالية« والاقتصاد العشوائي؟. ومتي يتحرر الجميع من الرغبة في مصادرة حق الاخرين بأي صورة من الصور في انتقاء اساليب حياتهم وفي تحديد اختياراتهم وفي ابتداع توجهاتهم الخاصة والعامة عند صنع انفسهم وتحديد مصائرهم في رحلة الحياة؟. كيف نوفر لبلادنا المناعة من الانفجارات الطائفية والمذهبية، التي أصبحت تهدد مجتمعاتنا من المغرب الاقصي الي باكستان؟ وكيف نكفل الانتصار للعقلانية والتفكير الحر والتعددية العقائدية؟. البعض في الخارج يقول ان النهضة العربية اخفقت وأصابها ركود مزمن، وان الجهود التي بذلت في المسار الفكري للنهضة العربية الحديثة لتأسيس العلم في المجتمعات العربية باءت بالفشل، وان الفرد العربي يرفض العلم، وهذا هو السبب في انه ما بعد نحو قرن ونصف من بدايات النهضة العربية الحديثة، لم تنتج المجتمعات العربية ابتكارا علميا واحدا، أو منتجا صناعيا جديدا بشكل تام. يقول سمير أبوزيد، مؤلف كتاب »العلم والنظرة العربية الي العالم« ان التأسيس العلمي للنهضة ليس مجرد تحقيق انجازات بحثية علمية وتكنولوجية ولا انشاء منظمات علمية في المجتمع، وانما تحول فكر المجتمع كله أو غالبيته نحو تصورات علمية من شأنها ان تجعل تحقيق هذه الانجازات أمرا طبيعيا. أكبر الأحلام الاثنين: عثرت في أوراقي القديمة علي حديث للدكتور أحمد زويل صرح به قبل 51 سنة، يقول فيه: ان الحلم الاول لدي الجيل الذي انتمي اليه هو حلم التعليم، وأي شاب كان اذا التحق بالجامعة وتفوق وعين معيدا، يستطيع ان يتقدم لطلب الزواج من أحسن العائلات في مصر، لانه متفوق حتي لو كان من أسرة فقيرة. ويضيف أحمد زويل.. كان المجتمع ككل يحترم المتعلم والمتفوق.. أما الان، فقد اصبح المعيار هو القدرة المادية.. واصبحت الفلوس أهم من التعليم. اكثر من ذلك، يقول زويل: »جيلي لم يكن من احلامه امتلاك سيارة خاصة.. كنت أنا، وجيلي، نعتبر الترام من افضل المواصلات التي نستخدمها في الاسكندرية.. وكانت نظيفة. كنا نقرأ ونقابل الناس فيها. اما الحلم الذي يتمني ان يتحقق في حياته الان، فهو ان يري نهضة علمية تكنولوجية، في مصر وان توجد مصر علي الخريطة العالمية، وان يكون لمصر دور انتاجي مهم في القرن الحادي والعشرين وليس استهلاكيا فقط. يقول »لو تحقق هذا الحلم سيكون اكبر حلم حققته في حياتي«. ومازال هذا الحلم قائما منذ عام 5991 اطلبوا العلم الثلاثاء: قبل 52 سنة- وبالتحديد في مارس 5891 - وجه الكاتب الكبير الراحل احمد بهاء الدين رسالة الي المفكر واستاذ الفلسفة الدكتور زكي نجيب محمود، جاء فيها: كانت عقيدتي- وما تزال- ان السؤال الفكري الاكبر المطروح علي العقل المصري، والعقل العربي عامة، منذ اكثر من قرن، هو بالضبط السؤال الذي طرحتموه، وهو موقفنا من العصر، سؤال هجس به خاطر رفاعة الطهطاوي، ومن قبله الجبرتي بعد اول زيارة له لمعامل البعثة العلمية الفرنسية اثناء حملة نابليون، وأثاره بجرأة ووضوح الشيخ محمد عبده ومن تبعه. ومازال السؤال مطروحا منذ اكثر من قرن دون اجابة، او بالاحري ان هناك اجابات شتي، ولكن دون اجابة تصبح محل اعتناق الكتلة الكبري من مثقفينا وشعوبنا وتسمح لنا بالانطلاق، وفي السنة الماضية وحدها عقد ما يقرب من خمسة عشر مؤتمرا في العالم العربي تحت عنوان الاصالة والمعاصرة، وهي كما تري تدور كلها حول محاولة الاجابة علي هذا السؤال.. وقد اضيف ان العقل العربي يريد ان نواكب العصر بغير شك، ولكن البعض يخشي ان يكون في مواكبتنا للعصر، وقبولنا للتحدي، ما يفقدنا هويتنا وتراثنا واصالتنا ومذهبي غير ذلك.،فالاساس الصميم والصحيح والنقي من تراثنا وهويتنا قادر علي اقتحام العصر والاكتساب منه دون ان يتأثر، وهذا بالضبط ما فعله عصر النهضة الاسلامية الاول.. وبني حضارة الاسلام وامبراطوريته دون خوف ولا وجل.. اما الخوف الكامن في بعض النفوس فسببه ما خلفته عصور الانحطاط والظلام والاستبداد التي تلت ذلك، والتي لا صلة لها بمعدن تراثنا الاصيل، انما هي التراب الذي تراكم علي هذا المعدن فاطفأ لمعته واخفي جوهره وخلط الايمان بالخرافة. ويختتم احمد بهاء الدين رسالته قائلا: وماذا نقول اكثر من قول النبي منذ اربعة عشر قرنا.. »اطلبوا العلم ولو في الصين« وأي وصية ابلغ من هذه الوصية في الانفتاح علي جميع علوم العصر وفنونه بكل الثقة في النفس.. ثقة يعرفها من يشعر انه ممسك بالاصل المتين والجوهر الثمين، ولا يعرفها المتعلق بالقشور الغريبة، وبالفروع الطارئة كتب احمد بهاء الدين هذه الرسالة، وهو علي فراش المرض، وعلق عليها الدكتور زكي نجيب محمود بقوله انها دليل علي حدة وعيه وشدة يقظته للاحداث الثقافية في حياتنا، مما جعله منارة هادية. ومن يقرأ هذه الرسالة يعتقد انها كتبت هذه الايام. مشكلة المسرح الاربعاء: من الشخصيات التي افتقدها.. رموز ثقافية لا تتكرر، منها الدكتور علي الراعي. وبمناسبة ما يجري للمسرح المصري الان. قررت ان استنير برأيه الذي صرح به قبل 51 سنة ايضا. يقول علي الراعي ان نهضة المسرح لا تتم إلا في حالة من الزهو القومي، والشعور بالاقبال علي عصر جديد وامتلاك حرية الاختيار، وان لنا خطة طموحا ومشروعا قوميا نستطيع ان ننفذه ونحيله الي واقع. وفي رأيه ان المسرح الجاد اصيب بضربة شديدة بعد هزيمة 7691 وهو لا يقصد بتعبير »المسرح الجاد« انه متجهم، وانما المسرح الذي يتعامل مع الامور بحدسه مثل كوميديا الريحاني ونعمان عاشور وسعد وهبة والفريد فرج.. وعقب تلك الضربة، اسرع اصحاب المسرح التجاري الي التلاؤم مع الوضع الناشيء عن يونيو 7691 الذي نادي بسقوط كثير من المسلمات السابقة واندفعوا الي تقديم فن يتملك العواطف ويطلق الضحكات الفارغة ويلهي الناس. وبالاضافة الي ذلك، فقد انضمت الي الجمهور المسرحي فيالق من السياح وهم ليسوا علي درجة عالية من الثقافة، وليسوا راغبين فيها، وهكذا تحول المسرح فيما يري علي الراعي الي تجارة وفي نهاية الامر.. تحول المسرح الجاد الي »كباريه« وابتكر اخواننا في المسرح التجاري صيغة معروفة، هي قصة خفيفة، من الضروري ان تكون قصة حب، الي جانب رقصة ضرورية.. وقدر من الميوعة ونكات جنسية مستترة او فاحشة وبعض »التلسين« علي النظام السياسي. ولكن علي الراعي كان يري ان هناك استثناءات قليلة، ويعرب عن سعادته بأن تلك الاستثناءات بدأت تتزايد في أواخر أيامه، وخاصة مسرحيات عادل إمام.