بعد التئام مجلس الشعب الجديد وبدء ممارسته لصلاحياته الدستورية ، نأمل أن يكتفي الجميع من اضاعة الوقت الثمين ، وأن يتجهوا الي اعادة تقييم الأوضاع الحزبية في أحزاب المعارضة التي شاركت في الانتخابات ولم تحصل علي مرادها او تحقق طموحها السياسي بأن تفوز بعدد من المقاعد في المجلس يثبت أهليتها لتمثيل الشعب . البحث في الأسباب الحقيقية يتطلب قوة وعزيمة تبدأ بالتخلي عن تعليق أسباب الفشل علي شماعة المنافس السياسي القوي ، صحيح ان الحزب الوطني الحاكم بقي في الحكم طوال العقود الثلاثة الماضية ، لكن الصحيح أيضا أن الحزب الحاكم فاجأ الجميع بأنه أعاد بناء نفسه خلال خمس أو ست سنوات مضت ولم يعتمد علي أنه حزب الحكومة ، ولم يكف عن تغذية نفسه بكوادر شابة . هنا نستطيع القول بأن نظرة الناس الي الحزب أي حزب تختلف عن نظرة الحزب الي نفسه ورؤيته الداخلية تنظيميا واداريا ، فقد يري الناس في الحزب ما لايراه في نفسه والعكس صحيح أيضا ، الحزب الوطني الحاكم في نظر الناس هو الحكومة المسئولة عن العناية بالشعب ورعايته ، هو السلطة التي عليها حل مشكلاته الاجتماعية والسياسية . ومع ذلك يسعي الحزب من داخله الي فصل كيانه عن الحكومة وتمييز أدائه عن أداء الحكومة لأنه من خلال النظرة العلمية يدرك ضرورة الفصل بين الحزب وبين الحكومة . بينما تري أحزاب في المعارضة أنها من الورثة الشرعيين لنظام الحزب الواحد الذي سبق اعادة الحياة الحزبية في منتصف السبعينيات الماضية ، تناضل للحصول علي نصيبها من الميراث الذي استولي عليه الحزب الحاكم ، في حين لايراها الناس مطلقا الا من خلال مانشتات زاعقة في صحفها محدودة الانتشار والتوزيع لاتقدم شيئا ايجابيا بل تحرص علي ابراز الاختلال والفساد في كل شيء علي وجه الأراضي المصرية وتحميل الحكومة المسئولية عن ذلك الاختلال والفساد ، حتي المسئولية عن سوء الأحوال الجوية . الأمور واضحة تماما في هذا الشان وفق الثقافة السائدة ، فبعد عدة عقود من الاعتقاد بأن فساد الحياة الحزبية قبل ثورة يوليو 1952هو ما أدي الي الغائها ، لم يظهر أبدا حتي الآن مؤشرات - بعد أن عادت الأحزاب - تقنع الناس بان الأحزاب ياتي منها أي خير ، ولذلك تجد الجماهير نفسها في حضن الحزب الحاكم أي الحكومة التي ترعي مصالحه سواء كان راضيا عن ذلك أو نصف راض أو ربع راض . الجماهير لم تقتنع بعد بوجود الأحزاب ، لذلك اتجهت الحركة الجماهيرية في معظمها الي الانتظار بعيدا عن الارتباط الحزبي ومتابعة ما يجري من سلوك وتصرفات القائمين عليها ، وقد يمضي وقت طويل قبل أن تحظي الحركة الحزبية بمساندة شعبية طالما بقي سلوك تلك الأحزاب غير قائم علي دراسة علمية ورؤية تنطلق من قبول الواقع وتطويره أو اصلاحه وليس علي رفض الواقع وشجبه والسعي الي الغائه .