تحدثنا في الحلقة السابقة عن فساد المواطنين العموميين، ولكن من أخطر ما يفسد هؤلاء الموظفين الرشوة وهي ترجع أساسا إلي تطوع المواطنين بها لكي ينجزوا مصالحهم، أو لينالوا حقا ليس لهم، أو للكيد لخصوم لهم، وكل ذلك مخالف للقانون، وتعرضت اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد في المادتين 15 و16 لرشوة الموظفين العموميين وكيفية إتمامها. وجاء في تعريف الاتفاقية للرشوة أنها: 1- اعطاء وعد لموظف عمومي بمزية لا يستحقها أو عرضها عليه أو منحه إياها بشكل مباشر أو غير مباشر سواء لمصلحة الموظف نفسه أو لمصلحة أي شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بعمل ما أو يمتنع عن أداء فعل ما، أثناء أدائه لواجباته الرسمية. ولتوضيح معني الامتناع عن عمل أو أداء فعل نعطي مثالا علي ذلك بنظافة المدن، فهي مسئولية المحليات، ولكن هذه المحليات استعانت بشركات نظافة أجنبية ومحلية لترفع العبء عن كاهلها وتتفرغ للنوم في العسل. وتقاعست الشركات عن أداء واجبها، فلم يتم إنهاء عقودها ولم توقع عليها غرامات ولم تقدم إلي النيابة العامة وترك لها الحبل علي الغارب، وهذا هو معني المزية "الرشوة" التي تعطي للموظف العام للامتناع عن شيء وهو الامتناع عن انهاء عقد شركات النظافة المخالفة والتمسك بها بالباطل لكونها تشتري سكوته هو ومن حوله في العمل حرصا علي استمرار التدفق للمزايا التي تأتيهم من مخالفة الضمير وايذاء المواطنين الشاكين. 2- أن يلتمس الموظف العمومي بشكل مباشر أو غير مباشر مزية غير مستحقة سواء لنفسه أو لشخص أو كيان آخر "شركة مثلا له صلة بها" لكي يقوم ذلك الموظف أثناء أداء الواجبات الرسمية بعمل أو بامتناع عن عمل كما في المثال السابق. 3- بالنسبة للموظف العمومي الأجنبي أو الموظف في مؤسسة دولية عامة فالرشوة بالنسبة له تكون بإعطائه مزية غير مستحقة أو عرضها عليها أو منحها إياها بشكل مباشر أو غير مباشر لمصلحته أو لمصلحة شخص أو كيان آخر، لحمل الموظف علي القيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين لدي أداء واجباته الرسمية، من أجل الحصول علي منفعة تجارية للراشي أو شخص من طرفه، أو أية مزية غير مستحقة أو الاحتفاظ بها فيما يتعلق بالأعمال التجارية الدولية. ويكون التجريم أولي اذا كانت الرشوة متعلقة بواجبات تتصل بالمساعدة المبذولة للاجئين أو من حلت بهم كوارث أو للبلاد الفقيرة والتي تحت خط الفقر ويقتل أولادها بعضهم بعضا من أجل لقمة العيش. وفي صدد اختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها بواسطة موظف عمومي تقول المادة 17 من الاتفاقية انه يلزم تجريم ما قد يتعمده ذلك الموظف من القيام لمصلحة نفسه أو غيره أو كيان آخر من أجل اختلاس أو تبديد أو تسريب أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية كانت أو خصوصية أو أية أشياء أخري ذات قيمة مالية أو معنوية عهد بها إليه بحكم موقعه، وقد يتخذ الاختلاس والتبديد والتسريب صورة حريق مفتعل تتم الجريمة تحت ستاره "كما يحدث من انتشار الحرائق في مواعيد الجرد السنوية". أما أفعال استغلال النفوذ فهي ليست أقل انتشارا من الرشوة والاختلاس والتبديد وقد يكون صاحب النفوذ موظفا عاما أو شخصا ذا نفوذ فعلي أو مفترض، بل ويمكن ألا يكون له نفوذ علي الاطلاق ولكنه يتخذ مظهرا يوحي بالنفوذ ليستخدمه في النصب علي الآخرين كما يقع ممن يقومون بتسفير الشباب للعمل في الخارج، وتتم جريمة المتاجرة بالنفوذ بتحريض صاحب النفوذ العام كالذي يقوم بالسعي في توظيف الخريجين لقاء مبالغ كبيرة أو صاحب النفوذ الفعلي أو المفترض أو المدعي به الذي يقوم باستغلال كل من أنواع النفوذ المشار إليها بهدف الحصول من ادارة أو سلطة عامة تابعة للدولة "عادة لتحقيق أغراض غير مشروعة" علي مزية تجاوز ما يستحقه المحرض أو عرضها عليه أو منحه إياها بشكل مباشر أو غير مباشر، أي من خلال وسيط تابع لصاحب النفوذ أو وسطائه فإنها تعتبر جريمة كاملة في حقه وليست مجرد شروع أو اشتراك في الإجرام. وقد تتخذ الجريمة شكل إساءة استغلال الوظيفة أو المنصب، والمقصود بذلك أن يلجأ الموظف إلي الامتناع عن أداء واجبه بغرض الحصول علي المزية غير المستحقة له أو غير المستحقة لشخص أو كيان آخر، ويكفي في هذا أيضا مجرد التراخي في أداء الواجب مطالب الضحية باستيفاء أوراق لم ينص عليها في قانون أو لائحة أوتفضيل واصطفاء أناس بالمعلومات التي تمكنهم من الظفر بالميزة دون أن يكونوا مستحقين لها.