المفاوضات المباشرة التي جري إطلاقها في واشنطن في الثاني من سبتمبر الحالي بين سلطة عباس وإسرائيل لا تنبيء عن أية إيجابية بل علي العكس تشكل منعطفا سياسيا واضحا نحو المزيد من التآكل لعناصر البرنامج الوطني الفلسطيني والتخلي عن الثوابت، فالمفاوضات تجري عارية من أي غطاء وطني لها. ذلك أنها جاءت بإجبار من إدارة أوباما وانبثقت من إملاءات إسرائيلية تفرغ آية تسوية عادلة من مضمونها وتصب فقط في صالح إسرائيل ومشروعاتها في الأرض الفلسطينية المحتلة. ** عقد زواج زائف..! عشية انعقاد المفاوضات المباشرة شهد البيت الأبيض مناسبة تدشينها رسمياً من قبل المضيف أوباما الذي دعا كلاً من الرئيس مبارك والملك عبدالله الثاني عاهل الأردن كي يشهدا علي عقد زواج زائف بين الطاغوت المتمثل في نيتنياهو والمستضعف عباس علي أمل أن يتم عقد القران وينفض الجميع يده من هذه الزيجة غير الشرعية. ولا يخفي فإنه لم تكن هناك قيمة لأي غطاء عربي أو دولي طالما أن الفصائل الفلسطينية ترفض المفاوضات المباشرة وبالتالي لا تتمتع بأي غطاء وطني فلسطيني وبالتزامن مع انطلاق المفاوضات جاءت عملية الخليل التي أودت بحياة أربعة مستوطنين ولكنها عملية أخري في رام الله أسفرت عن جرح اثنين من المستوطنين وكان في هذا دلالة علي أن المقاومة لم تمت وأنها مازالت تقف صامدة ضد ما يحاك من مؤامرات تستهدف القضية الفلسطينية. ** وراء الأكمة ما وراءها..؟ حرص أوباما علي توظيف كل جهوده في هذه الفترة لإجبار سلطة عباس علي الدخول ثانية في معترك فصل جديد من المفاوضات العبثية مع إسرائيل ولعل ذلك يشي بأن وراء الأكمة ما وراءها، وأن أوباما وبالتنسيق مع إسرائيل يمهدان معاً الأرضية للتغطية علي مشروع عدوان عاصف قد يطال إيران ومن ثم حرصت إدارة أوباما علي ترطيب الأجواء قبل شنه من خلال الإيحاء بعملية سلام تجري لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي علي أساس أن هذا الصراع هو الذي يشكل بؤرة التوتر الأولي التي تشغل دول المنطقة. بل إن ظهور نيتنياهو بمظهر رجل السلام كان كفيلاً بأن يمهد الأرضية لدي أوباما بحيث يضمن نتنياهو عدم استياء أمريكا في أي وقت تقوم فيه إسرائيل منفردة بضرب إيران. ذلك أن أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران تحتاج إلي دعم أمريكي. ومعني هذا أن العامل الإيراني كان يقف بقوة وراء الدفع قدما بهذه المفاوضات المباشرة وهو ما أفصح عنه جورج ميتشل مؤخراً عندما قال بأن إيران تظل عاملاً مهماً فيما يتعلق بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. ** محاولة لتسويق الأوهام المفاوضات المباشرة التي استؤنفت في الثاني من سبتمبر الحالي والتي يزمع الطرفان عقد جلسة ثانية في إطارها في ،14 15 من الشهر الجاري -غير ذي جدوي، فهي ليست إلا محاولة لتسويق الأوهام لاسيما وأنها تجري في ظل استيطان قائم علي قدم وساق. وتجري دون الحديث عن آية نية في انسحاب إسرائيل إلي حدود ،1967 وتجري وسط حملات تهويد القدس لترسيخ ما تدعيه إسرائيل من أنها عاصمتها الأبدية الموحدة ما جري في واشنطن من إطلاق معزوفة التفاوض المباشر هو صورة مكررة لما جري في البيت الأبيض في 13 سبتمبر 1993 عندما تم تدشين ما سمي باتفاق أوسلو والذي ظل اتفاقاً هلامياً لم يحقق أي شيء للفلسطينيين علي أرض الواقع وإن كان هناك تباين كبير بين الحدثين، فأوسلو تمت وسط أجواء من التفاؤل والأمل بالمستقبل. أما اجتماع البيت الأبيض هذه المرة والذي ضم أوباما ومبارك وعبدالله ونيتنياهو وعباس فلقد طالته غيوم اليأس والملل والعجز وهو ما عبرت عنه صحيفة الجارديان منذ أيام. ** أجندة إسرائيلية ومباركة أمريكية. إن ما يحدث علي السطح وما يجري وراء الستر يكشف عن أن المفاوضات المباشرة إنما تجري وفق أجندة إسرائيلية وبمباركة أمريكية يتم معها التركيز علي الترتيبات الأمنية لإسرائيل وعلي ترسيخ الاستيطان بينما تستثني القضايا الجوهرية وتتصدرها القدس واللاجئون وهي أمور لم يخفها رجل إسرائيل القوي نيتنياهو بل تحدث عنها علناً وعلي مرأي من الحاضرين مؤكداً علي عدة أمور منها أن إسرائيل لن تجمد الاستيطان ومنها ضرورة الإقرار بيهودية دولة إسرائيل، وأن تؤخذ في الحسبان الاعتبارات الأمنية لهذه الدولة وأن أي اتفاق سيوقع يجب أن يكون نهائياً. وهي أمور من شأنها نسف أية مفاوضات لاسيما بعد أن وأدت القضايا الجوهرية والثوابت الوطنية الفلسطينية وهو ما يجزم بفشل المفاوضات لغياب أرضية تجمع الطرفين معاً ورغم ذلك يظل نتنياهو أقوي شخص في إسرائيل يستطيع أن يفعل ما يشاء!