فرانسيسكو جرانادوز سياسي اسباني محافظ يعمل وزيرا في الحكومة الاقليمية للعاصمة الاسبانية مدريد وهو يعمل أو بالأدق يمارس عمله من قصر حديث ومنيف.. لا يتحرك الا في ظل حراس يرتدون زيا رسميا، وسيارته الرسمية وهي ليموزين.. فهو باختصار يقدم بنمط حياته الارستقراطية نموذجا لكيفية ممارسة السلطة السياسية في مختلف انحاء اوروبا.. وتقول مجلة الايكونوميست ان عدد العاملين تحت امرة جرانادوز يناهز ال160 ألف موظف واذا اضفت اليهم من يعملون في الحكومة المركزية ومن يعملون تحت إمرة الحكومة الاقليمية في مدريد وضواحيها فستجد ان نحو نصف مليون من اجمالي تعداد العاصمة الاسبانية البالغ 5.6 مليون نسمة هم من موظفي الدولة.. ومن هؤلاء السكان ايضا من وصلوا الي سن التقاعد ويتقاضون معاشات من الدولة ومليون من الاطفال الذين يحصل لهم أقرباؤهم علي اعانات من الدولة الي جانب اكثر من نصف مليون من العاطلين يتقاضون هم ايضا اعانات بطالة من الدولة "ملحوظة: معدل البطالة في اسبانيا 20% ويصل الي 40% بين الشباب".. باختصار، فإن نصف سكان العاصمة الاسبانية مدريد يعتمدون في معيشتهم علي الدولة بطريقة او بأخري. وتمشيا مع ما اتخذته دول اوروبية اخري، قررت الحكومة المركزية الاسبانية اخيرا خططا للتقشف وخفض الانفاق العام.. ورغم ان خفض الانفاق العام بسرعة خطوة ليست سهلة فإن الحكومات بدأت اولا بالاشياء التي يمكنها التحكم فيها مباشرة مثل اجور العاملين في القطاعات الحكومية، وتراوح الامر بين تجميد الاجور كما حدث في ايطاليا وبين خفضها بنسبة 25% كما حدث في رومانيا.. وتفاديا لغضب الرأي العام، أقدمت الحكومات ايضا علي وقف مظاهر الاسراف وخفضت اجور الوزراء كما قللت من حجم اساطيل السيارات الفاخرة التي يستخدمونها.. حتي في فرنسا لا تزال الحكومة ترفض الحديث مجرد الحديث عن التقشف او خفض اجور العاملين في القطاعات الحكومية وبدأت النخبة السياسية اتخاذ اجراءات تقشف طوعي، حيث تشير التقارير الي أن وزير التعليم الفرنسي استغني عن الزهور الطبيعية الطازجة التي تكلف كثيرا وبدأ يزين مكتبه ومكاتب كبار المسئولين في وزارته بالزهور الصناعية الارخص تكلفة. وفي العديد من الدول الاوروبية بدأ خفض الانفاق العام بصورة خفية حيث لم يعد يتم تعيين بدلاء لمن يتقاعد من الموظفين العموم بعد بلوغ سن المعاش.. واعلنت اسبانيا انه لن تكون هناك تعيينات جديدة في الحكومة الا بنسبة 10% فقط من عدد المتقاعدين سنويا، وقد يري المتفائلون في مثل هذه القرارات نوعا من الاصلاح الاداري بالمصادفة فبعد السماح بتورم اعداد العاملين في الحكومة ادت الحاجة للخفض السريع في الانفاق الحكومي الي السماح بتقليص هذه الاعداد، اما المتشائمون فلا تزال الشكوك تساورهم.. فقاعدة الاقتصار علي تعيين موظفين جدد بنسبة 10% فقط من عدد المتقاعدين منهم سنويا لا تنطبق علي قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم والعناية بكبار السن، كما انها لن تمنع الحكومات الاقليمية من ايجاد مناصب قيادية جديدة. واكثر من ذلك فإن المسئولين الاقوياء من امثال جرانادوز يعتريهم العجز عند محاولتهم تغيير ما هو قائم؛ لان الاستغناء عن العمالة الحكومية امر مستحيل.. ففي مطلع يونية الحالي 2010 قررت حكومة مدريد الاقليمية تخزين 48 سيارة من اسطول السيارات التابع لها والبالغ عدده 125 سيارة مع الاستغناء عن السيارات الليموزين الكبيرة من طرازات أودي وبيجو لتحل محلها سيارات متوسطة الحجم.. والمفارقة التي واجهت جرانادوز في هذا الشأن هي عجزه عن الاستغناء عن السائقين الذين تم تخريد سياراتهم، وان عليه ان يعيد تأهيل هؤلاء السائقين للقيام باعمال اخري ولكن بعد اخذ موافقتهم علي ذلك، وكان الطرف الضعيف في هذه العملية هم السائقين الذين يعملون بعقود مؤقتة وعددهم 23 سائقا جري الاستغناء عنهم فورا. والأدهي من ذلك ان الوزير جرانادوز لا يمكنه نقل موظف رسمي من قطاع الخدمات الاجتماعية الي قطاع الصحة او تغيير "وردية" عمله من الصباح لتصبح مسائية، ورغم ان نسبة غياب العاملين تصل الي 18% فإن عقوبات الغياب المتعمد قليلة ومحدودة الاثار، فالموظف الحكومي يمكنه الحصول علي إجازة مرضية لمدة 3 ايام من دون تصريح طبي، كذلك فإن الوزير لا يمكنه اذا ما اراد توظيف جراح شهير ان يعطيه اجرا اعلي من الاجر المحدد لاي جراح عادي، فأجور الجراحين كلها متساوية ومن الناحية العملية لا تتميز اجور الاطباء عموما عن اجور غيرهم من الفئات العاملة في مجال الخدمة الطبية بما في ذلك عاملات النظافة في المستشفيات، وعندما تقوم الحكومة الاقليمية المحافظة في مدريد بخصخصة بعض المرافق التابعة لها كما حدث اخيرا مع محطتين للتلفزيون فإن اي عامل