لدي بعض الناس من اصحاب اوقات الفراغ الطويلة او المتقاعدين من كبار السن هواية معينة، وهي البحث عن المعادن النفيسة باستخدام جهاز كشف المعادن اليدوي، وهو عبارة عن جهاز للاستشعار موصول بذراع طويلة يتم تمريره فوق الارض لكشف ما قد يكون تحت التراب.وفي بعض الاحيان يجد اصحاب هذه الهواية ما يبحثون عنه، فيعثرون علي حفنة من العملات القديمة، او يكتشفون خاتما ماسيا اضاعته سيدة سيئة الحظ قبل سنوات. ورغم انني اجد هذه الهواية غريبة نوعا ما، فإن صورتها طرأت علي ذهني خلال زيارتي للعاصمة الماليزية، كوالالمبور، ففي مطار المدينة كانت عمليات التفتيش فعالة، ولكنها طويلة، وقد تزاحم خلالها في طوابير الانتظار عدد كبير من رجال الاعمال الاوروبيين والامريكيين والعرب الذين كانوا يحاولون بدورهم استخدام اجهزة الاستشعار للبحث عن فرص في البلاد لتنمية اعمالهم. ولكن بخلاف حال اصحابنا الذين يستخدمون كشافات المعادن، فان الباحثين عن فرص الاستثمار في ماليزيا ليس عليهم الانتظار طويلاً قبل ان يعثروا علي ضالتهم.فخلال الايام القليلة التي قضيتها في كوالالمبور، اطلعت علي بعض التقارير الاقتصادية التي اعلنت خلال كل من ماليزيا وسنغافورة عن تحقيق معدلات نمو بنسبة 10% خلال الربع الاول من 2010، وحققت الصين واندونيسيا نسبا قريبة من ذلك. ومع ان هذه النسبة مذهلة للغاية وبكل المقاييس، الا انها تثير القلق حيال احتمال ظهور فقاعة في قيم الاصول بتلك الدول التي تشكل جزءا من "نمور آسيا" بينما يعيش العالم حالة الترقب من جراء مخاوف عودة الركود الاقتصادي بسبب ازمة اوروبا. وخلال المقابلة التي اجريتها مع مديرة المصرف المركزي الماليزي، زيتي اخطر عزيز، قالت لي المسئولة الماليزية ان الامور "تحت السيطرة" بما يتعلق بمخاطر بروز الفقاعات، وربما هذا يشرح تدخل المصرف المركزي لمرتين هذا العام بهدف رفع اسعار الفائدة، ويبدو ان المسئولين في سنغافورة يقومون بخطوات مماثلة. ويبدو ان الدول التي لديها فائض مالي كبير مهتمة للغاية بما يجري في تلك الدول الآسيوية، وهي تبحث عن طرق للاستفادة منه، فخلال المؤتمر الذي حضرته في كوالالمبور، شاهدت اثنتين من كبري الجهات الاستثمارية الشرق اوسطية. فمن قطر، حضر ، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء بعدما اعربت قطر عن التزامها بصفقات لمشروعات بقيمة 5 مليارات دولار في قطاعات متنوعة، بينها الطاقة والعقارات.اما الحاضر الثاني فهو شركة "مبادلة"، احدي الاذرع الاستثمارية لحكومة ابوظبي، وهي تبحث عن فرص استثمارية في منطقة الاعمال الملاصقة لبرجي "بتروناس"، خاصة ان فيها مشروعات مجمدة منذ سنوات وبحاجة لضخ سيولة جديدة فيها. وفي المؤتمر ايضا قابلت عيسي الغرير نائب رئيس مجلس ادارة مجموعة الغرير التابعة لهذه العائلة المعروفة باعمالها التجارية في امارة دبي، وقد كان بدوره يشارك في فاعليات الجلسات.وقال الغرير ان التواصل سهل بين المستثمرين في الشرق الاوسط وجنوب شرق آسيا لان اللغة المشتركة بينهما هي لغة الاعمال، كما اكد لي امرا مدهشا يثبت التبدل الحاصل في العالم، اذ قال ان مجموعة الغرير تستثمر في مناجم فحم ومشروعات اخري بماليزيا، بعد ان كانت لا تهتم سوي بالاستثمار في اوروبا والولايات المتحدة.