نورت يا قطن النيل.. يا حلاوة عليك يا جميل أغنية كان يرددها الفلاح المصري في موسم جمع القطن في أربعينيات وخمسينيات وستينيات أيضا القرن الماضي.. أيام كان فيها القطن المصري ملكا متوجا علي عرش المحاصيل الزراعية.. وكان القطن مرادفا للأفراح والليالي الملاح في قري مصر.. كانت الأفراح والمناسبات الجميلة تؤجل حتي موسم (الايراد) يعني موسم بيع القطن. كنا سادة العالم في إنتاج القطن طويل التيلة. وكنا نزرع أكثر من مليوني فدان سنويا.. وكان القطن يشكل مع قناة السويس والسينما أهم صادرات مصر. وقام عليه عدد من الصناعات التي ازدهرت في وقتها وهي صناعة الغزل والنسيج والزيوت والصابون والورق وحققت هذه الصناعات نجاحا وانتشرت خاصة صناعة الغزل والنسيج في عدد كبير من مدن مصر. وأصبح عددها أكثر من 3000 منشأة صناعية منها الصغير ومنها الكبير.. باستثمارات قد تزيد علي 30 مليار جنيه ويعمل بها أكثر من 378،7 ألف عامل. ولكن ما هي الصورة الآن أو بمعني أدق لقد تراجعت زراعة القطن، وأصبحت منذ حوالي عشرين عاما الماضية مليون فدان. انكمشت الآن حتي وصلت المساحة المنزرعة بالقطن حوالي 300 ألف فدان.. وهرب الفلاحون إلي زراعة الخضراوات والمحاصيل الأخري بسبب التكاليف العالمية التي يتحملها الفلاح في زراعة القطن ما بين ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات وندرة الأيدي العاملة وزيادة تكاليف المكافحة إلي جانب أن القطن يمكث في الأرض حوالي ستة شهور وهي مدة طويلة يدفع تكاليفها الفلاح.. ومن جهة أخري الانخفاض الكبير لأسعار توريد القطن للحكومة. وخسر الفلاح الكثير ولم يعد موسم زراعة وبيع القطن يشكل فرحا أو عيدا للفلاح.. وأصبح وكأنه كابوس يخيم علي صدور الفلاحين.. وتراجعت مساحة زراعة القطن.. وانهارت بالتالي صناعة الغزل والنسيج.. وانخفضت صادرات مصر من القطن إلي رقم مخجل ومحزن وهو ما يقرب من 150 مليون دولار.. وتم خصخصة وبيع بعض مصانع النسيج وزادت مشاكل هذه الصناعة بسبب الملابس المستوردة من الصين وبأسعار رخيصة. وبدلا من تصديرنا للقطن.. أصبحنا مستوردين.. ونستورد المنسوجات من الصين والهند وباكستان. كما يغزو القطن الإسرائيلي الأسواق المصرية. أي مأساة هذه التي نعيشها.. العالم يتقدم ونحن أيضا نتقدم ولكن للخلف.. لقد ضاع القطن بسبب السياسة الخاطئة لوزارة الزراعة كما يقول د. أحمد جويلي. ضياع القطن وانهيار صناعة الغزل والنسيج ليست وليدة الصدفة ولكنها تحدث لأسباب يعرفها الجميع.. حقائق أليمة محزنة ومخجلة تدمي القلب والوجدان.. وتتجاوز قدرة العقل علي الاستيعاب. اعيدوا للقطن المصري سمعته واعيدوا للفلاح أفراحه حتي لا يسري في نفوسنا وقلوبنا شعور بالجزع علي الحاضر والخوف من المستقبل. القطن المصري لايزال يتمتع ببقية من السمعة الطيبة رغم الأحداث والمأسي التي مرت عليه.. وأنا علي يقين بأن الحكومة وخبراءها يعلمون جيدا كل الأمور. وكيف يمكن أن يستعيد القطن المصري عرشه المفقود.. لأن ما حدث لا يعني أنه قدر مكتوب بوقوعه، وقضاء لا سبيل إلي رده. هذا نداء أقوله بأعلي صوتي.. الحقوا القطن المصري وانقذوه قبل أن يموت.. انقذوه قبل فوات الأوان.. وقبل أن نبكي علي اللبن المسكوب.. انقذوه أثابكم الله.