مخيم اللاجئين في حي البساتين علي بعد عدة كيلومترات من العاصمة الجنوبية عدن.. يموج بالصوماليين خاصة من النساء والأطفال، أما الرجال فهم من كبار السن أو من الشباب المصابين خلال الحرب الصومالية. فكما تقول "فرحة": الرجال والشباب بقوا في الصومال لأنهم يشاركون في الحرب، ولا يترك البلاد إلا النساء والأطفال والجرحي. ومخيم اللاجئين بالبساتين هو واحد من عدة مخيمات منتشرة في محافظات اليمن التي يعيش فيها نحو 700 ألف لاجئ صومالي، وفقا لتقديرات وزير الخارجية د. أبو بكر القربي. وداخل البيوت التي شيد بعضها بالحجر والطوب، في حين أقيم البعض الآخر بالصفيح، تعيش ثلاث أسر في المتوسط، والملاحظ كثرة عدد الأطفال المصاحبين للأمهات، إضافة إلي كثرة عدد الحوامل. وداخل المركز الطبي بالمخيم قال اختصاصي التحاليل "محمد" وهو يمني إن عدد الحالات التي تتلقي خدمات طبية يومياً بالمركز تبلغ 70 حالة.. وأوضح أن أفراد الطاقم الطبي والفني اليمني يحرصون علي تقديم الخدمة بدون تقصير.. في حين قالت "ودودة" إحدي اللاجئات الصوماليات إنه فور وصولهن يتم أخذ عينات دم لتحليلها، وإنشاء ملف لكل لاجئ. وتوضح في هذا السياق إحدي الناشطات في الجمعيات التي تدعم اللاجئين، وهي فرنسية وتدعي "كريس"، أن معدلات الإصابة بمرض نقص المناعة "الإيدز" مرتفعة جدا بين الصوماليات، منوهة إلي أن الحاجة إلي تقديم المساعدات داخل مخيمات اللاجئين كبيرة جدا، مشددة علي أن المجتمع الدولي مقصر تجاههم، وتجاه اليمن.. وقالت إن المجتمع اليمني لا يضع حواجز في التعامل مع اللاجئين الصوماليين، كما أن الحكومة لا تدخر جهدا في تقديم المساعدات، ومد المخيمات بالخدمات من كهرباء ومياه وأكل وتعليم غير أن الوضع سيئ، لأن الأعداد تفوق قدرة أي حكومة بمفردها علي التصرف. وفي داخل المخيم توجد مدرستان، يقوم بالتدريس بهما يمنيون وصوماليون علي حد سواء، ويشارك عدد من التلاميذ اليمنيين الأطفال الصوماليين في فصول الدراسة.. كما أنهم يتجاورون في السكن، ويلعبون في الشوارع والساحات بالمخيم دون فصل بينهما. "محمد" طفل تعدي الثانية عشرة، أخرج لي بطاقة لاجئ، والتي حصل عليها من مكتب غوث اللاجئين التابع للأمم المتحدة، والموجود داخل المخيم.. وهو يشعر بحالة من السعادة تغاير حالة بقية أقرانه ممن لم يحصلوا عليها.. وفي عبارات قصيرة قال "محمد" إنه يحلم بالالتحاق بخاله الذي يعيش حاليا في لندن، والذي يرسل إليهم من حين لآخر حوالات مالية تساعدهم في حياتهم الصعبة.. ورغم أن حلمه بالهجرة يكبر مع مرور الأيام، فإن "محمد" لا يدري كيف السبيل إلي تحقيقه.. أما "سعيد" الذي تجاوز العشرين، ويتكئ علي عكازين، فيبدو أقرب إلي حلم الهجرة والانتقال إلي بلد آخر يتيح له فرصا للحياة والرفاهية أفضل.. ويستند إلي أحد أقربائه ممن نجحوا في السفر إلي هولندا لمساعدته في تحقيق حلمه، كما أن بطاقة "لاجئ" وحالته الصحية التي تحتاج إلي عمليات جراحية معقدة بعد إصابته في الحرب سوف تسهلان عليه الأمر.. هكذا قال لي وعيناه تبعثان شرارة غريبة تجمع بين النظرة الحزينة والآملة في نفس اللحظة. ورغم ما لمسناه من جهود جبارة تقوم بها الدولة، ومجلس محافظة عدن لهذه المخيمات، فإن أصوات الشكوي كانت حاضرة، فقد صعد شاب صومالي الأتوبيس ونحن نستعد للانصراف ولم نعرف اسمه وأخذ يصرخ وهو يشرح لنا الحالة المزرية والمعاناة التي يعيشها اللاجئون في المخيمات.. وكانت الصرخات تبحث عن أعين الكاميرات، علها تصل إلي المجتمع الدولي ومؤسساته التي ترقب تلك الأوضاع في صمت وسلبية دون أن تمد يد المساعدة للألوف المؤلفة من اللاجئين. محافظ عدن الدكتور عدنان الجفري من جهته، أكد في لقائه بنا أن الجهات المسئولة لا تدخر جهدا في توفير الخدمات الضرورية للمخيمات مشددا علي أن اليمن تفتح أبوابها ولا تلاحق أو تطارد اللاجئين إلي سواحلها مثلما تفعل دول أخري.. غير أنه اعترف بأن المطلوب يشكل عبئا كبيرا، وأن المساعدات غير كافية، وأن الحل هو دعم الحكومة الصومالية وتقوية مؤسساتها.