لن أقول إن الوقت متأخر في الاتجاه الي جنوب السودان، مثلما ذكر لي عماد طالب جامعة جوبا الذي التقيته في موقف بالقرب من سوق كستوم، أكبر الأسواق الشعبية بجوبا عاصمة الجنوب، ولكن ربما الوقت المتبقي علي إجراء الاستفتاء الشعبي حول الوحدة لن يكون كافيا لجعلها جاذبة للناخب الجنوبي، فقد أضاع العرب سنتين كاملتين منذ توقيع اتفاق نيفاشا للسلام بين الشمال والجنوب، والاستجابة التي تحققت، منذ ذلك الوقت الذي دفعت فيه الجامعة العربية بجهود كبيرة ومخلصة لجذب الأموال العربية الي جنوب السودان، هي أقل من التطلعات التي كانت تراهن علي القطاع الخاص العربي، لتعظيم كفة الوحدة من خلال مشروعات أكبر من تلك التي تحققت حاليا علي أرض الواقع. ولا أجدني أبالغ إذا قلت اني كنت أتوقع مشاركة عربية أكبر من القطاع الخاص ومنظمات الاعمال وغرف التجارة والصناعة العربية، في المؤتمر العربي للتنمية والاستثمار في جنوب السودان، وهذا لا يقلل من أهمية تلك الخطوة التي أعدت لها الجامعة العربية منذ قرار قمة دمشق الذي اتخذته بتنظيم هذا المؤتمر. ولكن كل الجهد الذي بذل لانجاحه يعني فقط ان الطريق مازال طويلا وان الخطوات المطلوبة قد لا تنتصر خلال الأشهر التسعة القادمة لجعل الجنوبيين يصوتون لصالح الوحدة. وأعتقد ان اللغة السياسية التحفيزية للجامعة العربية ولأمينها العام عمرو موسي لم تفلح إلا جزئيا للدفع بتواجد الرأسمال العربي في الجنوب السوداني، حيث انها مازالت لا تلقي لدي المستثمرين نفس الحماس الموجود لدي الامين العام . أقول ذلك وقد شهدت في جولة في عدد من مناطق وأحياء العاصمة جوبا شدة الفقر والخصاصة التي لا يمكن قياسها بأي مؤشرات دولية معروفة، ويكفي ان مرافقي في تلك الجولة وهو من أبناء جوبا ويدعي متوكل أكد لي بحسبة عسيرة ان دخل الفرد في الشهر لا يتجاوز الدولار الواحد، في ظل انتشار البطالة لاكثر من 90% وانتشار الاعمال الهامشية، والاكواخ والعشش، وافتقاد أبسط الخدمات مثل الكهرباء والمياه والصرف والطرق ووسائل النقل . وبلا شك فإن الفقر المدقع الذي لمسته لدي الأهالي، لا يعيرهم وانما يعير العرب الذين ظلوا متناسين لعقود طويلة تلك البقعة المهمة من الوطن، فلو كانت نسبة من أموال الزكاة والصدقة تذهب الي هؤلاء الفقراء علي الخريطة العربية، ما كان هناك اليوم تلك النقطة الخلافية المحتدمة حول تطبيق الشريعة الاسلامية. ان سكان الجنوب لم يشاهدوا أية أياد ممدودة من أهل الاسلام الذي يدعو الشمال الي تطبيق شريعته عليه. ولعلي لا أدعي عندما أكشف ان الامين العام للجامعة العربية عمرو موسي علي وعي كبير بتشابكات هذا الملف الجنوبي، ومن هنا استمات طيلة الأشهر الطويلة الماضية في طلب الدعم العربي الملح والضروري الي أهل الجنوب، ومن هنا كانت هذه الزيارة التي ظهر فيها العناء والمشقة، ولكن يصاحبها ابتهاج بتنفيذ الخطوة التي سبقتها خطوات أخري أقل شأنا .= موسي الذي دعا في الجلسة الختامية للمؤتمر العربي للاستثمار والتنمية في جنوب السودان، البنوك العربية إلي فتح فروع لها في جوبا، كان متعمدا التنويه الي أن هناك مشروعات تم تنفيذها بالفعل، واقترح أن تكون هناك نقاط ارتباط لمتابعة مشروعات المؤتمر. جاء ذلك في رده بالخصوص علي مايكل مكوي لويث وزير الشئون القانونية والتنمية الدستورية في حكومة جنوب السودان الذي شدد في معرض كلمته الصريحة علي الحاجة الي مشروعات استثمارية عربية حقيقية كبري، وان تتجاوز مجرد بناء مستوصف، ومدرسة وتدريب سائقين علي القيادة. وعلي الرغم من ان الجنوب في أشد الحاجة الي كل انواع المساعدات المشروعات والخدمات في ظل غيابها جميعا، الا ان تطلعات مسئولي وشعب الجنوب الي ماهو أهم وأكبرقيمة وجدوي سواء من المشروعات التي اقامتها الجامعة العربية واقامها المستثمرون العرب السباقون في ارساء تجارب ناجحة، أو من النوايا الحسنة التي ابداها المستثمرون خلال هذا المؤتمر. وقد شدد مايكل مكوي لويث علي جاذبية فرص الاستثمار الزراعي حيث الماء متوافر بكثرة، والتربة البكر التي لا تحتاج الي اي نوع من الاسمدة، لكنها تحتاج فقط الي اموال وادارة كفأة للأيدي العاملة التي تعصف بها البطالة بلا رحمة وهناك 700 ألف فدان تنتظر القادمين الي تعميرها واستغلالها. ودعا المستثمرين قائلا: ركزوا علي الزراعة والمنتجات الزراعية، والتصنيع الزراعي حيث إن الأرض شديدة الخصوبة.. وسوف يأكل الجنوبيون ودول العالم العربي قاطبة. وكان المشاركون في المؤتمر قد بحثوا دعم عملية التنمية في الجنوب السوداني، حيث أكد ممثلو الحكومة السودانية وحكومة الجنوب، أن ظروف الاستثمار مناسبة في جنوب السودان، وأنه لا توجد تقييدات أو شروط من قبل حكومة الجنوب. وشرح الضمانات التي توفرها حكومة الجنوب للمستثمرين. وقال إن المادة الخامسة والثلاثين في قانون الاستثمار تحمي حقوق الملكية، والمادة السابعة والثلاثين، تتحدث عن عودة الأموال والأرباح. وأكد لويث ضرورة تسجيل الشركات حتي تكون لها شخصية قانونية ويمكنها التعامل في السوق، أو علي الأقل تسجيل فرع شركة في جنوب السودان.