تعيش عاصمة الجنوب السوداني جوبا ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة نتيجة تداعيات الحرب الاهلية التي استمرت نحو 20 عاما ومع ذلك فإن السكان يبتكرون طرقهم الخاصة لالتقاط لقمة العيش .. ويتطلعون الي تحسن أوضاعهم مع استعداد الجنوب السوداني الي إجراء استفتاء شعبي حول الوحدة مع الشمال . "الاسبوعي" تجولت في العديد من الأحياء في جوبا.. وامتدت الجولة إلي "جبل كجور". معاناة الحرب الطويلة، وقسوة الحياة حطت أوزارها علي وجوه الناس ونشاطاتهم وبيوتهم. فغالبية سكان جوبا يصارعون للحصول علي غذائهم في ظل البطالة وانعدام فرص العمل، ونادرا عندما نصادف محل بقالة صغير، تظهر بداخله بعض المعلبات، اما المياه فنعترض بين كل بضعة أمتار نساء أو صبية يحملون "جراكن" بلاستيكية ينقلون فيها المياه الي عششهم، أما المفاجأة فهي أن تصطدم السيارة بمشهد جارح للآدمية في وسط الطريق البدائي المليء بالحفر، حيث توجد حفرة كبيرة يستحم بها مجموعة من النساء والاطفال. طرق مبتكرة وبينما كانت السيارة نصف النقل التي تقلني مع مرافقي تتجه الي طريق الجبل حيث تقع القرية التي تحتضن قبر الزعيم الجنوبي جون قرنق، لمحت مشهدا غريبا استدعي ان اطلب من السائق التوقف وعلي وجه السرعة.. فهناك كوخ أمامه مكنة خياطة وضعت تحت ظل شجرة. وذهبت للتعرف علي هذا المواطن الذي يدعي جيمس، في الأربعين من عمره ولكن شقاء الأيام أعطاه ملامح العجائز، وهو منهمك بلا حماس في رف ملابس بالية لأهل القرية مقابل قروش لا تكفي لسد رمق 4 أفواه في الاسرة.. وكلما شعر بالتعب، لجأ الي الكوخ ليتقي حرارة الجو والرطوبة وهو مأوي الأسرة ليلا .. ودعاني جيمس بكل طيبة وترحاب الي الدخول الي عشته، لم يكن بها إلا بعض الخرق وبقايا الاسفنج القديم التي تستخدم كأسرة وفراش لكل افراد العائلة الذين مطلوب أن يتكوموا عند حلول الليل في تلك الرقعة الضيقة. وجيمس لا تختلف ظروفه البائسة عن نحو 300 ألف جنوبي يقطنون جوبا .. فصور محاولات ابتكار طرق خاصة لالتقاط الرزق متعددة . جبل كجور وبعد سير شاق ومتعثر بالسيارة لنحو 20 كيلومترا من العاصمة جوبا زرنا إحدي القبائل التي يعمل كبارها وصغارها في جبل كجور، حيث ينزل الرجال الحجارة الكبيرة من الجبل ويقومون بحرقها، ثم يكسرالنساء والاطفال تلك الحجارة الي قطع صغيرة تستخدم في بناء البيوت ورصف الطرقات، وينتظرون المقاول الذي قد لايأتي ليسدد أجورهم. الأطفال لا يقصدون المدارس، ربما لا توجد مدارس لهم في تلك القرية فلم أشاهد أثرا لها، لكن كريستوف المشرف علي العمالة أشار بأصبعه الي طفلة في الثامنة، افترستها الأنيميا وقال انها ابنته، وانها تغيب عن فصول الدراسة كلما بعث الله لهم رزقا في الجبل، فملء البطون أولي من الدراسة، لانه عندما تحصل علي لقمة تستطيع أن تنام والطفلة تتقاضي مقابل 20 يوما من تكسير الحجارة جنيها واحدا .وتحمل النساء صغارها الرضع الي جوارها، بينما الغبار يتطاير في الهواء من تكسير الحجارة ليتحول لون الجميع الي مايشبه لون الجير. ومع زيادة معدلات الفقر، وقلة فرص العمل بعد الحرب، فإن التعليم قد لايشفع للبعض للفكاك من الخصاصة.. فمنذ أن اغلقت جامعة جوبا أبوابها في سنوات اشتداد الحرب الأهلية لم تعد الي العمل ألا بعض اقسامها، ومن كان من ابناء المحظوظين نجح في الانتقال الي الدراسة في جامعات كينيا، أو أوغندا أو دول الجوار الأخري، لكن من هم مثل هذا الشاب عماد، فليس أمامهم إلا البحث عن عمل، وقد نجح عماد في العمل سائقا ينقل المسافرين بين اقاليم الجنوب، ويتقاضي 20 أو40 جنيها حسب المسافات التي يقطعها، ويشرح صعوبة الطرق التي تربط بين أقاليم الجنوب والتي لا تخلو من مفاجآت . سوق كستوم وفي طريق العودة من جبل كجور مررنا علي سوق كستوم أشهر الأسواق الشعبية في جوبا حيث يكافح الجنوبيون في أعمال هاشمية . وسد جوع البطون لا يفرق بين امرأة ورجل .. وطفل في ذلك السوق المختلط بالأجناس الذين ترجع أصولهم الي نحو 60 قبيلة يتحدثون 60 من اللهجات او تزيد، ويصبح كل نشاط مباحا في ذلك السوق. فهذا الشاب جورج يبيع العملة، ويضع علي طاولة خشبية عملات من فئة الدولار واليورو وعملات أخري لدول الجوار. ويروي ان أفضل زبائنه من موظفي الاغاثة الذين ينشطون في المشروعات الانسانية بالجنوب السوداني . ورغم كل هذه الظروف الصعبة فان جون نيلسون -أحد الشباب الذين يتسكعون علي موتوسيكل، قال لي مرافقي انه يؤجره من موقف قريب من السوق مخصص لهذا النوع من المواصلات يري ان الأمل في تحسن تلك الظروف مرهون بقدوم الشركات للعمل في الجنوب.