أسخن 3 أسئلة مطروحة على الساحة السودانية المصرية فى وقت اشتعلت فيه أجواء التجهيز لاستفتاء الانفصال، فمن السهل أن نتوقع من الآن أن الاعترافات الغربية والأمريكية بالطبع ستنهال على «جوبا» العاصمة الجنوبية فور إعلان نتيجته رسميا، والمعروفة مسبقا بالطبع، وبالتالى أصبح علينا أن نتعامل مع سيناريو هذه الدولة من هويتها لمصالحها لانتماءاتها وحتى قراءتها للمستقبل، حتى لا نفاجأ، لأن نتائج مؤتمر الاستعداد لما بعد الاستفتاء الذى شاركت فيه كل القوى السودانية تقريبا منذ أيام، وتوافد المبعوثين الغربيين على جوبا لوضع الرتوش النهائية على ترتيبات الاستفتاء، فى الوقت الذى تزايدت الأنباء فيه حول احتمالية تزويره أو تأجيله، لكن الأممالمتحدة حرصت على التأكيد على إجراء الاستفتاء فى موعده. وبالطبع زادت التوترات أكثر مما هى عليه بعد تصريحات العديد من قيادات الجنوب حول ضرورة الانفصال للاختلاف الأيديولوجى والدينى بين الشمال والجنوب، وكان أبرز مطلقى هذه التصريحات بضوء أخضر من أمريكا والغرب، بافان آموم الأمين العام للحركة الشعبية، ونحن بالفعل أمام معضلة مصيرية، فأسباب الترابط كثيرة وعميقة، لكن تقابلها أسباب أخرى للانفصال، والمهم الآن أن نصل إلى اتفاق وضمانات على البقاء فى حالة تكامل حتى لو كانت النتيجة هى الانفصال، فعلى سبيل المثال الجنوب ليس له منافذ على البحر مثل الشمال، لكن الجنوب أكثر ثراء فى البترول عن الشمال، وبالتالى فإن الخيار الكونفدرالى هو أفضل الحلول السيئة التى تحاصرنا الآن، وكان الاستعداد الشمالى والجنوبى جليا لها حتى بدون استفتاء خلال زيارة الوفد الشمالى لجوبا برئاسة نائب البشير «عثمان طه» منذ أيام، حتى تكررت صياغات فى هذا الاتجاه كمخرج من المأزق الصعب، وكان واضحا أيضا أن الردود التى جاءت من الحركة الشعبية حذرة جدا وانقسم الرأى حولها بين رفض تام واعتبارها اتفاقا على الاستفتاء، وآخرون اعتبروها طرقا جديدة لحل المشاكل التى يواجهها الجانبان، لكن المعسكر الأول أكبر وأقوى حتى الآن. وهناك من يعانون من هذا الميل الجنوبى للانفصال وهم من يعرفون بالوحدويين وأغلبهم من الشماليين الذين انضموا للحركة الشعبية كتشجيع على الوحدة، وتحولوا الآن إلى ما يشبه الطابور الخامس،لكن البعض لا يزال يتمنى تكرار نموذج «كردستان العراق» فى جوبا، خاصة أن الخصائص البترولية متشابهة جدا! والواضح أن الحركة الشعبية لم تعد تقتنع بحكومة الجنوب فقط رغم أنها تسيطر بها على كل الجنوب، وتشن حملة قوية فى شوارع جوبا بمشاركة قوية مدنية ودينية وسياسية لرفع أى احتمال لبقاء الوحدة، وهى ناجحة فى ذلك للغاية، لكن الأمر الغريب أن حزب المؤتمر الشمالى يتعاون معها فى ذلك بتغاضيها عن اتخاذ أى خطوات لبقاء الوحدة كخيار جذاب، حيث فقد رونقه تماما، فعلى سبيل المثال لم يعلق النظام الشمالى على خطوات الجنوبيين الأحدث بتوجيه التجار الشماليين بالجنوب لتسجيل أسمائهم فى الغرفة التجارية فى جوبا وحصر ممتلكاتهم واتخاذ إجراءات صارمة ضد من لا يمتثلون ، ودعوا لفرض ضرائب جديدة على جميع البضائع القادمة من الشمال وتخفيض الضرائب القادمة من أوغندا وكينيا خاصة الغذائية والدوائية، مما اعتبره البعض ليس تأصيلا للانفصال فقط بل للخصومة بين الدولة القادمة وأمها الشمالية! ورغم كل أجواء الانفصال المسيطرة لا تزال هناك فعاليات أو محاولات أخيرة حتى يقنع البعض أنفسهم بأنهم فعلوا كل ما لديهم لكنه القدر، ومنها الملتقى الثانى لولايات التمازج، والى حمل شعار « من كادوقلى إلى أوبل تركيز الدعم المتبادل لتعزيز التمازج »، وكشف عثمان طه عن أن مشروعات تشجيع الوحدة لا تزال مستمرة من سهولة التنقل بالنهر والجو والسكك الحديدية من الشمال للجنوب والعكس، مؤكدا أن ترسيم الحدود لا يعنى إنشاء جدار عازل بين الدولتين الجديدة والقديمة! وترى قيادات من الحركة الشعبية بجنوب كردفان والنيل الأزرق أن الأغلبية فى الحركة تريد الانفصال لكن صوتهم ليس عاليا، وأعربوا عن أملهم أن يدرك هؤلاء خطورة الانفصال مع اقتراب موعد الاستفتاء، لكنهم يكشفون أن دعوات الانفصال تزايدت بعد الانتخابات، ورغم أن الولاياتالمتحدة تريد الانفصال إلا أنها تشترط دولة مستقرة فى الجنوب وعدم سيطرة النظام والدين الإسلامى على الشمال دون أى وجود دينى آخر. والقلق كل القلق من أن يكون الخيار الآخر لعدم الوصول إلى بقاء الوحدة عبر الاستفتاء هو الاحتمال الأقرب إلى الآن، أن تنشب حرب أهلية جديدة بين الشماليين والجنوبيين، ووقتها من الصعب وقفها بسهولة، وتعالت الأصوات ذات اللكنة العسكرية بسبب «أموم» أيضا عندما ادعى أن الجيش السودانى يعد خطة لزعزعة الاستقرار فى الجنوب استعدادا للاستفتاء لكن القوات المسلحة السودانية نفت ذلك تماما! ويبدو أن حالة الجدل المحسوم هذه من ستستمر إلى 11 / 1 / 2011 يوم الاستفتاء، وكأنما رقم 11 هو الكود السرى لحسم أزمة الجنوب والشمال فى السودان.