هربا من الزحام المؤلم الذي تغرق فيه القاهرة تحت وطأة إنتاج سيارات غير آمنة وغير مصممة بطريقة تصون الهواء، وهربا من هذا الضجيج الذي يفقدنا رؤية أعماقنا حتي صارت عيوننا مصابة بالعجز عن تمييز الجمال من حولنا، هربا من كل ذلك تلقيت هدية رائعة وهي دعوة من النحات الموهوب إيهاب اللبان، هذا الموسيقي الساحر اللاعب بقدرات اخذها من اساتذته الكبار، سواء اكانوا قدماء المصريين او محمود موسي وآخرهم اطال الله في عمره.. آدم حنين معجزتنا في رؤية اعماق الانسان ببساطة تقترب من التصوف وتعانق براءة الطفولة دون ان تفقد حكمة النضج الفادح الذي يطل من تماثيله او رسومه. ولذلك كانت دعوة ايهاب لي كي اري معرض "الوجوه" الذي أقامه في قاعة آفق واحد حيث اجتمع ما يقرب ثمانية وسبعين فنانا قدموا اما لوحة لوجه ما او تمثالا لوجه ما. وطبعا تتالق القدرات الفائقة وتترنح ايضا امام عيونك رحلات العجز عن ابصار ما في اعماق اصحاب الوجوه في بعض الاعمال، ولن اكشف كل القدرات الفائقة في هذا المعرض، لانه يحتاج الي عيون المشاهد، وبطبيعة الحال لم ألمس من قريب او بعيد حالة العجز التي تصيب بعض الفنانين، وبطبيعة ضعفي البشري امام استاذي فتحي غانم بدأت المعرض من اللوحة التي رسمها له الفنان ايهاب شاكر، هذا الذي طور من الرسم الصحفي ليجعله رسما يليق بالمتاحف من فرط توازن الموسيقي والعاطفة فيه، ورأيت ملامح استاذي في ذلك العام القديم عام 1968 حين كان يفكر ويكتب رواية "زينت والعرش" تلك التي أتمها فيما قبل حرب اكتوبر وكانت صاعقة كاشفة، وكدت اري في ملامح الاستاذ عبء مسئولية تاريخ ما قبل هزيمة يونية 1967.. نعم كل ذلك كان واضحا في لوحة ايهاب شاكر العبقرية بكل المعايير. وهناك لوحة فرحت بها لجماليتها وهي اللوحة التي رسمها الفنان محسن شعلان فهي رقيقة كاشفة رائعة فيما تمنحه لنا من شفافية مغادرة الاسي، او هكذا رأيتها ولكنني فرحت بشماتة في محسن شعلان لاني كثيرا ما طالبته بان يتعاون مع الموهوب يوسف شرارة رئيس جمعية التصوير الفوتوجرافي والتي كان يمكن ان تصور المعرض بما يتناسب مع ما صرفه القطاع من تكلفة طباعة، بالتصوير للوحات في الكتاب الذي يؤرخ ويسجل المعرض ليس في مستوي الورق العالي القيمة، وليس في مستوي التعبير عن الجهد غير العادي في جمع هذا العدد من الفنانين في معرض واحد. وأشكر من قلبي تلك الهدية الرائعة التي اخرجتني من آلامي الشخصية بمعرض الوجوه الموجود في قاعة أفق واحد المجاور لمنزل الرئيس السادات بالجيزة.