كان طبيعياً ألا تجازف أية دولة عربية بالتطبيع مع إسرائيل وهو المطلب الذي سعت إدارة أوباما وتسعي لدفع العرب باتجاهه بدعوي أن هذا أضمن سبيل لانجاح مفاوضات السلام المزعوم. ويحسب للسعودية هنا ما ذهبت إليه من أن السلام لن يتحقق عبر مفاوضات ثنائية أو متعددة مطولة وغير مجدية تتطرق لهوامش وقضايا فرعية وتنحي جانباً القضايا الأساسية. وجاءت كلمة السعودية أمام الأممالمتحدة في سبتمبر الماضي لتعيد فيها تمسكها بأحد الثوابت وهو رفض التطبيع مع إسرائيل قبل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة لاسيما أن المبادرة العربية للسلام تؤكد ذلك، فالسلام لن يتحقق بمحاولة فرض التطبيع علي العرب وكأن عليهم مكافأة المعتدي علي عدوانه في منطق معكوس لا يمت للمصداقية بصلة. أي عاقل يري أن التطبيع أمر مستحيل وغير وارد مع إسرائيل التي تصر علي سياسة الإبادة للبشر والشجر والحجر، وتتبني القهر والقتل والتعذيب والتجير القسري منهجاً. لا يمكن أن يقوم تطبيع مع إسرائيل التي تنتابها حمي تهويد القدس ومن ثم قامت بسحب هويات الإقامة من أربعة آلاف وخمسمائة وسبعة وسبعين مقدسياً وهو ما يتجاوز نصف عدد سحب الهويات علي مدي أربعين عاما، ففي الفترة ما بين 1967 وحتي 2007 سحبت هوية الإقامة من 8500 مقدسي والمختصر المفيد أنها تقوم بعملية تغيير الواقع الجغرافي والديمجرافي للقدس لفصلها عن الضفة. * التطبيع مع من؟ لا يمكن التطبيع مع إسرائيل التي خدعت الرأي العام العالمي وضللته بقرار نيتنياهو الأخير الذي أعلنه قبل نهاية نوفمبر الماضي والذي يقضي بتعليق الاستيطان لمدة عشرة أشهر في الضفة والذي قامت إسرائيل بخرقه مؤخراً عندما صادقت علي بناء 84 وحدة سكنية جديدة تضم خمسمائة شقة في الضفة لا يمكن التطبيع مع إسرائيل التي تحاصر الأقصي وتمنع قيادات فلسطينية وإسلامية من دخوله مثل عكرمة صبري، ورائد صلاح، وحاتم عبدالقادر الذين منعتهم من دخوله لمدة ستة أشهر. إنها إسرائيل التي يسجل لها التاريخ بأحرف بارزة وقائع وحشية وجرائم فظة تستخدم فيها كل أسلحة الترويع ضد الفلسطينيين دون أن تساءل أو تعاقب. وتنسي إسرائيل أن هوس الابادة الذي يتملكها سيرتد عليها في النهاية، ولا غرابة فهي تعبئ الفلسطينيين يوميا بكراهيتها وتحشدهم ليوم قادم يوجهون لها فيه الضربة القاضية بحيث يصبح مآلها إلي زوال. * رفض التطبيع هو المطلوب رفض التطبيع مع إسرائيل هو أبلغ رد علي إدارة أوباما التي راحت تحث الدول العربية علي تقديم دعم سياسي للسلطة الفلسطينية كي تستأنف مفاوضات السلام مع إسرائيل حتي ولو لم توقف الاستيطان في الضفة والقدس. أمريكا تمارس الضغط علي الجانب العربي علي أساس دفعه إلي القيام بخطوات تطبيعية مع إسرائيل بوصف هذا هو السبيل نحو تشكيل دعم سياسي لعباس من أجل التسريع باستئناف المفاوضات وكأن هذه المفاوضات ستأتي بما عجزت عنه ستة عشر عاما كاملة من عملية سلام غير مجدية. * أمريكا وخلط الأوراق أمريكا خلطت الأوراق عندما تراجع أوباما عن وعوده ومضي يتحدث اليوم بلغة إسرائيل. ولا أدل علي ذلك من كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 سبتمبر الماضي عندما قال إن الوقت قد حان لإعادة إطلاق المفاوضات دون شروط مسبقة وهو نفس المنطوق الذي عبر عنه نيتنياهو علي اعتبار أن المطالبة بتجميد الاستيطان كلية هو شرط مسبق لا يمكن التعامل معه. وينسي أوباما أو يتناسي أن مضي إسرائيل قدما في الاستيطان إنما يعني فرض واقع جديد علي الأرض. وبلغت الوقاحة بهيلاري كلينتون إلي الحد الذي طالبت فيه عباس بالتوجه إلي طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة وهو ما يعني إسقاط بند تجميد الاستيطان. بل إنها وصلت إلي حد التماهي مع نيتنياهو عندما قالت إنه قدم مقترحات غير مسبوقة!! ولا غرابة فهذا كان متوقعا عندما تراجعت إدارة أوباما عن الوعود التي ساقتها من قبل والتي اشترطت فيها التجميد الكلي للاستيطان. أي أن حكومة نيتنياهو المتطرفة قد نجحت في اخضاع إدارة أوباما لمنطلقاتها وأهدافها.