يقف صانع القرار المصري دائماً في حيرة من أمره.. يلوي ذراعه ملايين المصريين العاملين في الخارج.. والاستثمارات مصرية يمكن أن تضار في أية لحظة.. وهكذا تبقي الكرامة المصرية دائما رهينة هؤلاء.. يستغلها الآخرون للضغط وللامتهان.. بينما نرضخ نحن بحجة حماية أبنائنا في الخارج.. رغم أن تلك الحماية تستدعي القوة وليس الضعف. وليست قصة الجزائر الأولي ولن تكون الأخيرة. لو لم تكن هناك دولة قوية تكشر عن أنيابها أحياناً.. تعمل مخالبها احيانا أخري وتفعل الأطر القانونية دائما. وربما تعد تلك هي المرة الوحيدة التي تكون لنا استثمارات في الخارج تتضرر.. فدائماً يكون المتضرر الوحيد هو المواطن البسيط المستعد لاحتمال كل أشكال الذل والمهانة من أجل لقمة العيش.. هذه المرة 6 مليارات دولار من الاستثمارات في الجزائر وحوالي 15 ألف عامل يعملون في تلك الاستثمارات.. والتي معظمها استثمارات خاصة. والحقيقة أن مباراة التأهل لكأس العالم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.. فالمضايقات للشركات المصرية بدأت منذ حوالي عام بعد تغيير الحكومة الجزائرية قوانينها فجأة والزامها المستثمر الأجنبي بايجاد شريك جزائري لا تقل حصته عن 51% حكوميا أو 30% في حال الشراكة مع القطاع الخاص واعادة ضخ 15% من الأرباح في صورة استثمارات جديدة أو توسعية. ثم تعددت المضايقات وجاء اعنفها ضد أوراسكوم تليكوم التي تكبدت فجأة 600 مليون دولار ضرائب بحجة أن أرباحها زادت عن الحد المعلن رغم أنها كان في فترة اعفاء ضريبي.. واتهمت أيضا بتهريب الأرباح كما اتهمت أوراسكوم للانشاء باعادة الاستعمار الفرنسي بعد أن باعت وحدتها للأسمنت في الجزائر إلي شركة لافارج الفرنسية. ولم تكن تلك المضايقات هي النهاية.. بل امتدت إلي تدمير وعنف وترويع في اعقاب مباراة التأهل الأولي في القاهرة.. وبعد كل ذلك تبقي تلك الاستثمارات لتلوي ذراعنا في اتخاذ القرار!! لقد دخلت الاستثمارات المصرية الجزائر في وقت لم يقترب منها مستثمر، وكان الإرهاب يرتع في مناكبها.. وكان المهندسون المصريون يشاركون في بناء محطات الكهرباء لتعمير دولة في حقيقتها غنية لكنها تعيش تحت وطأة الإرهاب والعنف كل يوم.. دخلت الاستثمارات بعد ترحيب وتهليل من السلطة الجزائرية التي يبدو انها نسيت أو تناست كل ما تقدم ربما تحت وطأة الصراع السياسي أو بعد تلويحات الحكومة القطرية باستثماراتها في الغاز إذا ما خرج المصريون منها. دخلت الاستثمارات المصرية وربحت بالتأكيد.. لكن ثمن البقاء الآن أصبح باهظا.. ولأن الدولة في الجزائر تتصارعها قوي الجيش والمخابرات والرئاسة فالقرار في النهاية ليس في يد الرئيس بوتفليقة وحده وبالتالي فلا يمكن أن نعول علي التهدئة الإعلامية أو التهدئة الدبلوماسية لاستعادة الاستقرار اللازم للعلاقات وللاستثمارات.. هناك من يريد الإضرار بالاستثمارات المصرية وهذا واضح.. كل ذلك مهدئات مؤقتة هناك من يريد لهذه الاستثمارات أن تخرج وهذا جلي.. أليس الأكرم لنا أن ندرس جدوي استثماراتنا ونخرج برجالنا دون قتلي؟! أليس الأفضل لنا أن نبدأ في إعداد الملفات القانونية والقضائية لاستعادة حقوقنا بشكل حضاري؟! أم أن نبقي ونحتمل وندمر اصولنا ويزيد نزيف خسائرنا ثم نقول إننا كنا نعول علي التهدئة لصالح أبنائنا واستثماراتنا. إن الجزائر دولة غنية لا تحتاج لاستثمارات مصر أو قطر.. دولة غنية لكن يمزقها الإرهاب والفساد معاً.. ولذا ففي أية لحظة يمكنها الخروج بقرار لتأميم الاستثمارات الخارجية دون تردد. طبعا ذلك سيكبدها خسائر فادحة ويمنع الاستثمارات الأجنبية من دخول أرضها.. ولكن في حالة الصراع السياسي الداخلي كل شيء وارد الآن. هل استعدينا لذلك؟! هل لدينا خطة واضحة سواء كنا قطاع خاص أم حكومي أم اننا مستعدون مرة أخري للتضحية بأبنائنا وبكرامتنا بحجة حمايتهم وحجة اننا الدولة الأكبر والأقوي. لا يمكن أن يبقي العاملون في الخارج نقطة ضعف تلوي ذراعنا عند اتخاذ أي قرار.. مصالحنا مهمة.. لكن كرامتنا أهم لحماية عاملنا الصغير قبل الكبير.. إذا كنا دولة قوية سيفكر الآخرون ألف مرة قبل أن ينهبوا استثماراتنا أو يدمروا أصولنا أو يهينوا عامل بناء من عمالنا.. ناهيك عن الاعتداء علي مشجعينا. ليست مباراة كرة.. لكنها نقطة فاصلة كاشفة.. أما أن نكون أقوياء أو فلنعش بلا ذاكرة وبلا وطن.