«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استقالة رجل مهم .. مصطفي بكري
نشر في المصريون يوم 20 - 06 - 2005

الاستقالة التي كتبها إبراهيم سعدة، هي سبة في جبين النظام، وتعبير عن أزمته الراهنة التي لم تعد تلهمه القدرة حتي علي اتخاذ القرار. إبراهيم سعدة القي بالقفاز في وجه الجميع، قال لهم بعلو الصوت: أنتم اناس لا تعرفون إلا انفسكم، تتعمدون اهانتنا والاساءة إلينا.. وتركتمونا فريسة لكل من هب ودب، ورفضتم أن تطلقوا علينا رصاصة الرحمة. انها ليست بطولة من إبراهيم سعدة، لو كان بطلا لفعلها منذ وقت طويل، فهو واحد من هؤلاء الذين روجوا لهم، ولم يتردد في الاساءة إلي الكثيرين أحياء وأمواتا.. لكنها وبالمقياس المجرد هي خطوة شجاعة وجريئة، رفض فيها إبراهيم سعدة سياسة الإذلال التي يتعمد النظام أن يتعامل بها حتي مع أخلص الرجال المقربين إليه.. انه أراد أن يقول لهم: آخر خدمة الغز "علقة"، ولكنني لن أسمح لكم بأن تتشفوا فيٌ إلي نهاية الأمر، لن أسمح بالاهانة أكثر من هذا الحد ولهذا أنا ألقي لكم بالاستقالة في وجوهكم .. كان يمكن للنظام أن يحدث تغييرا سلميا، بلا دماء، وبلا خسارة، بلا إذلال وبلا مهانة، كان يمكن أن يتفادي هذه الأزمة التي فجرها إبراهيم سعدة بردود أفعالها السلبية، لكنه أبي وتكبر وتركهم حياري، وكأنه يتشفي فيهم الواحد تلو الآخر!! كنا نظن أن رؤساء مجالس ادارات ورؤساء تحرير الصحف القومية هم الأكثر قربا للنظام، فقد حملوا الراية وراحوا يقاتلون بلا عقل كل من ينتقد الأوضاع السلبية في البلاد، فساهموا في تزييف الوعي وقتل النخوة وإهانة الرموز، والاعتداء علي الثوابت والقيم .. لكن يبدو أنه ليس هناك عزيز علي هذا النظام، انه يتنكر لرجاله المقربين، ويدفع بهم إلي الهاوية وكأنهم أجرموا في حقه، فهو لا يعاملهم سوي بلغة الازدراء. حدث هذا مع شخصيات كثيرة، خدمت النظام في أعلي المواقع، دافعت عنه، اخصلت له، لكن فجأة وجدوا أنفسهم خارج دائرة المقربين. انه نظام لا يرتاح إلا إلي خمسة أو ستة من المقربين وهؤلاء والحق يقال تحولوا إلي غيلان ومراكز قوي تعبث بكل شيء وتسيء إلي ما تبقي علي أرض هذا البلد، ان كان هناك شيء قد تبقي.. هناك رجال كانوا ملء السمع والبصر، إذا غضب عليهم الحاكم، تحولت حياتهم إلي جحيم، وإذا صفق لهم أحد في احتفال عام حرموا حتي من حق التنفس، بسرعة البرق يعتزلهم الناس ويصبحون كالجرب لا أحد يستطيع أن يقترب منهم.. وكأنهم ارتكبوا جرما لا يغتفر..!! كان يمكن لإبراهيم سعدة أن يترك مكتبه ويذهب إلي منزله ويقدم استقالته، كان يمكن أن يصمت، لكنه شعر أن هناك من يريد إذلاله وإذلال الآخرين، فقرر أن يرد بصوت عال، ليحدث فضيحة للنظام، وينتقم منه شر انتقام. كان إبراهيم سعدة يعرف ويدرك عن يقين أن قنبلته لن تمر مرور الكرام، بل ستفتح الملف عن آخره، وستدفع وسائل الاعلام المحلية والعربية والأجنبية لأن تطلق بدورها حملة للتشفي في النظام، ستتحدث عن الانقسامات بداخله، وستفتح ملف صناعة القرار وكيف يجري، وستخلص إلي نتيجة حاسمة تقول: إن الحكم عاجز حتي عن إيجاد البدائل في المؤسسات الصحفية.. لقد قام د. زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية منذ أكثر من عشرة أيام بابلاغ رؤساء مجالس الادارات ورؤساء التحرير بأن عهدهم قد انتهي، شكرهم باسم الرئيس علي مجهوداتهم والسنوات التي قضوها في خدمة النظام والتي تصل إلي أكثر من 24 عاما لغالبيتهم. لملم رؤساء مجالس الادارات ورؤساء التحرير أوراقهم، وبعضهم جاء بسيارات شحن كبري لتنقل ما خف وزنه وغلا ثمنه وودعوا أنصارهم إن كان لهم أنصار بالدموع الساخنة ونظروا خلفهم بحسرة ومضوا إلي بيوتهم ومشروعاتهم، وملايينهم. وبعد يوم أو اثنين قيل لهم: معلش، عودوا مجددا، لأن الدولة فشلت في اختيار بدائل، انتظروا لحين العثور علي شوية بدائل حلوين ومزغططين.. بعضهم ظن أن الدولة قد تراجعت عن قرارها وآخرون قالوا صفوت الشريف وكمال الشاذلي وفتحي سرور ليسوا أحسن منا، إنهم مخلدون علي كراسيهم منذ العصر الحجري، فلماذا نحن الذين نمضي؟ إن رئيس الدولة أمضي أربعة وعشرين عاما في حكم مصر، وها هو يقرر فترة أخري لينافس محمد علي الذي حكم مصر لمدة 35 عاما، فغير فيها الدنيا واستطاعت قواته أن تصل إلي جبال طوروس والجزيرة وجنوب السودان كان الأمل يحدوهم جميعا في البقاء، لكن الايحاءات كانت تأتيهم من كل مكان، اللجنة العامة سوف تجتمع هذا الأسبوع، لا الأسبوع القادم، لا نهاية الشهر، ومع كل اجتماع للشوري كانت القلوب تدق بعنف، والأيدي ترتجف، والكلام يتعثر، كانوا ينامون ويحلمون، هل معقول أن تفرط فيهم الدولة وتتركهم بلا سلطة، بلا حراسة، بلا هيلمان؟. كيف وقد أصبحوا أباطرة هذا الزمان؟ كان الأمل يحدو الكثيرين منهم حتي اللحظة الأخيرة، ربما إبراهيم نافع ومكرم محمد أحمد كانا الوحيدين اللذين لم يهتما بالأمر كثيرا وارتضيا بالأمر، أما غير ذلك فالكل كان يترقب، والكل كان يطلق آهات تدوي، والكل كان يزايد في النفاق ويشن الحملات الرخيصة ضد المعارضين الشرفاء عله يجد صدي لدي صناع القرار.. ان القضية لا يجب اختصارها في استقالة إبراهيم سعدة بهذه الطريقة الفضائحية المفاجئة، لكن المسألة بالأساس هي هذا العجز الذي يعيشه النظام، الذي تتحكم فيه أربعة مراكز قوي اساسية معروفة بالاسم فتشله عن الحركة، وتخيفه من التغيير وتجعله دوما أسيرا لها.. هذه الأسماء الأربعة تفرض دائرة من الحصار علي الرئيس، تربط مصيرها بمصيره، وهي مصممة علي أن تبقيه مقيد اليدين إلي أبد الدهر، فإذا أطلق لنفسه عنان التغيير فهم أول من سيطالهم هذا التغيير، لذلك دائما ما يشعرونه بأن التغيير ليس في صالحه ولا في صالح مصر.. هؤلاء هم الذين افسدوا كل شيء علي أرض الوطن، ايديهم تمتد لتؤذي كل من يشكل خطرا عليهم، صراعاتهم هي صراعات علي المصالح، ولغتهم هي لغة التهديد لكل من يتجرأ أن يقول لا، وإذا رأوا أن الرئيس قد أعطي اهتماما لهذا الشخص أو ذاك سعوا إلي تشويهه والإساءة إليه، وتقديم التقارير الكاذبة عن عدائه للنظام. وهؤلاء اختصروا البلد في انفسهم، هم أبوها وهم أمها، انهم الآباء المؤسسون، والأمهات المؤسسات، إنهم العقول المفكرة، أصحاب الرؤي النيرة، يحرمونك من الجنة وقتما يشاءون ويطلقون عليك كلاب جهنم، وقد يلفقون لك قضية آداب ويشوهون سمعتك ويوزعون لك سيديهات، وتذهب إلي السجن بلا عودة، إذا لم تتنازل عن توكيل، أو إذا قلت كلمة في حق واحد من هؤلاء. انه شيء مخيف أن تشعر أنك مستهدف، وأن كلمة واحدة من مركز نفوذ جائر قد تهدم بيتك وتدمر أسرتك وتدفعك إلي جهنم لتموت وانت حي، ولتعيش في بلاط المذلة أبد الدهر.. آه لو أخضع هؤلاء لقانون من أين لك هذا، آه لو فتشوا عن أموالهم في الداخل والخارج، آه لو حاسبوهم علي افساد هذا البلد وضياع أجيال ذهبت بلا عودة، آه لو حاسبوهم علي الاصفار التي تحصل عليها مصر في كل المنتديات، لو حاسبوهم لكان الحساب عسيرا.. ولكن يبقي السؤال لماذا لا يتخلص الرئيس منهم؟ ألا يعلم بما يرتكبون من جرائم في حق هذا الوطن؟ إلي متي الصمت عليهم؟ لقد خربوا كل شيء، واشاعوا الفساد في كل المرافق، وتحولت مصر علي أيديهم إلي وطن طارد لأهله، وتسببوا في تراجع الانتماء وسيادة ثقافة غريبة تكاد تعصف بكل القيم التي ظلت تحكم المجتمع علي مدي قرون من الزمن. ان القضية أصبحت جد خطيرة، والمشكلة الأساسية ان النظام يتعامل مع صرخاتنا وكأننا مجموعة من المخبولين الذين لا يجب أن يعتد بكلامهم.. وانه هو الأقدر علي معرفة الأمور، وأن أحدا لن يستطيع أن يلوي ذراعه.. يا سادة نحن لا نلوي ذراع أحد، نحن نريد لبلدنا العظيم أن ينهض ويتقدم، نريد لمصر أن تعود كما كانت، نريد للفساد أن يتوقف بعد أن أكل الأخضر واليابس، نريد سلاما اجتماعيا يضمن للفقراء لقمة عيش شريفة ويحقق الأمان للأغنياء.. ليس معقولا أن مصر عقمت عن الانجاب، فلم يعد فيها سوي هذه المجموعة التي تحكمنا منذ 24 عاما.. نحن لسنا ضد شخص الرئيس مبارك، ونحن ضد حملات التشهير التي نعرف أغراضها وأسبابها ولتسأل في ذلك كونداليزا رايس، ولكننا ضد احتكار السلطة وضد أن تبقي الشاشة بصورة واحدة علي مدي 24 عاما كما قال أستاذنا محمد حسنين هيكل. اننا نرفض التدخل الأمريكي في شئوننا الداخلية، ولا يسعدنا أن نسمع صوت بوش أو كونداليزا يتدخل بهذه الوقاحة والبجاحة في خصوصياتنا، فتلك اهانة مرفوضة، ولكن السؤال كيف نقنع الناس بالالتفاف صفا واحدا لا تتحول مصر إلي عراق أخري.. إن النظام يساعد للأسف علي هذه الفرقة التي يعيشها الشارع وهو بممارساته وقراراته المحجفة يزيد من حدة الاحتقان السياسي في البلاد، فالوزارات تحولت إلي عزب، والمؤسسات إلي تكايا، لا أحد يستطيع أن يحاسب أحدا من شاء منكم فليفسد ومن شاء منكم فليصلح ، فلا أحد سيعاقب المفسد، ولا أحد سيكافئ المصلح. ومن الغريب أن هناك ثقافة بدأت تسود، إذا ثبت انك شخص شريف، أو مسئول كفء ونزيه فلابد أن في الأمر شيئا، ومن يدري ربما تكون عينك علي منصب أعلي، ولذلك نطلق عليك المماليك الجدد لتحجيمك واحباطك، وربما دفعك إلي الاستقالة فترتاح وتريح.. إن كل المخلصين لهذا البلد يجب أن يرفعوا صوتهم عاليا ويقولوا لابد من التغيير، التغيير لمصلحة مصر أولا ولمصلحة النظام ثانيا، والتغيير لا يعني الضحك علي الذقون بتغيير وجوه والاتيان بأسوأ منها، بل نحن في حاجة إلي الانفتاح علي كل شرفاء الوطن.. هناك كفاءات بالملايين في كل المواقع، أما الذين يقولون إن البلد نضب فهؤلاء لا يعرفون قدر مصر، ربما يعرفها غرباء ليسوا مصريين لا يتوقفون عن الاشادة بل والاستعانة بالمصريين. قد يظن النظام أنه في أمان طالما بقيت العصا في يده، ولكني أدعوهم إلي قراءة تجربة قيرغيزستان الأخيرة، لقد فوجئ الرئيس بأن أحدا لا يقف إلي جواره في ساعات محدودة، بل حتي حراسه الشخصيون تخلوا عنه بعد أن رفض وزيرا الداخلية والدفاع اصدار الأوامر باطلاق النار علي المتظاهرين. ومصر تغلي والقوي المتربصة بها في الداخل والخارج كثيرة، وهناك من يرفعون شعارات الاصلاح داخل مصر لكنهم لا يختلفون عن كونداليزا رايس في نفس الاهداف، هي تقول الاصلاح وتطلق التصريحات قبل أن تصل إلي القاهرة وتوجه رسائل التحذير بالقول ان خطة مصر لاجراء انتخابات رئاسية يتنافس فيها اكثر من مرشح غير كافية وان هناك حاجة إلي عمل المزيد لتعزيز الديمقراطية في هذا البلد الحليف للولايات المتحدة، إن كونداليزا تأتي صباح الاثنين مكشرة عن أنيابها تحمل في يدها أجندة تريد فرضها وستستخدم كل لغة التهديد والوعيد لاجبار النظام علي قبولها.. إن البشائر تبدو واضحة علي رضوخ النظام للمطالب الأمريكية فقد طلبت كونداليزا قبل أن تقرر زيارة مصر أن يعد لها لقاء خاص مع كل من أيمن نور، د. مني مكرم عبيد، د. مني ذوالفقار، د. أسامة الغزالي حرب، منير فخري عبدالنور لتناقش معهم أجندة الاصلاح، وللأسف فقد وافقت الحكومة المصرية وقبلت بعقد هذا اللقاء رغم ان ذلك يمثل اعتداء علي السيادة الوطنية المصرية وتدخلا سافرا في شئون البلاد. إن الخطة الأمريكية لا تريد الخير لهذا الوطن، لكنها أجندة تهدف إلي تغيير القيم وتولية العملاء حكم مصر، وإلغاء النص علي الشريعة الاسلامية كمصدر رئيسي للتشريع وفتح الطريق أمام اقامة قواعد أمريكية في مصر وفتح الأبواب كاملة أمام إسرائيل والاعتراف بحقوق لما يسمونهم بالأقليات تهدد الكيان الوطني كما يحدث الآن في العراق. ومن عجب يا سادة أن النظام لا يسمع للشعب، ولا لمطالبه ولكنه يستجيب لمطالب الأمريكيين، وهو أمر ينذر بالخطر لأن مطالب الأمريكيين لن تتوقف عند حد، والنظام لن يجد أمامه سوي الاستجابة بسب ضعفه والضغوط الداخلية التي تمارس ضده. إن أمام النظام فرصة تاريخية للانقاذ، بأن يتخلص من كل الفاسدين في ضربة واحدة، وأن يستمع بأذن صادقة إلي مقترح الأستاذ هيكل بعقد مؤتمر وطني لوضع دستور جديد وتحقيق الديمقراطية في مصر واعتبار الفترة القادمة فترة انتقالية. إذا حدث ذلك سننقذ الوطن من المخاطر التي تحيق به، لقد وقف الشعب المصري إلي جانب الرئيس كثيرا سانده وصبر كثيرا علي الأزمات التي احاقت به، وجاء الدور علي الرئيس ليرد الجميل إلي مصر العظيمة بأن يفتح الطريق للحرية وأن يعقد لقاء عاجلا مع رموز العمل الوطني ويطرح عليهم السؤال ماذا نفعل؟!. إن قلوب المصريين تتمزق علي مصر، ونحن لا نريد الفوضي لأننا جميعا
سندفع الثمن، والشارع مهيئ للانفجار في أقرب مما يتصور الكثيرون.. إذا أردتم اطفاء النار، فالفرصة أمامكم، اما إذا استمرت سياسة العناد، فالخوف علي الوطن كبير، والخوف علي وحدته أكبر.. إنني أقول هذا الكلام من القلب، ليس لي غرض سوي وطني وأرضي، قد اتعرض للأذي ليس مهما، قد يتأمر ضدي حلف الفساد لا يعنيني الأمر في شيء، لكننا أبدا لن نحتمي بكونداليزا ولا ببوش ولا بالمندوب السامي الأمريكي فهؤلاء كلهم اعداؤنا لأنهم أعداء وطننا. نحن نحتمي بتراب هذا الوطن، بنيله، بتاريخه، بالقرية والناس، بالغلابة والشرفاء، بالموروث الثقافي، فحياتنا لا تساوي شيئا إلي جانب ذرة تراب من أرض مصر، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وهذا الشعب لن يتسامح أبدا مع كل من أمتلك في يده قلما ولم يكتب، وامتلك لسانا ولم يتكلم، وامتلك ضميرا ولم يصرخ، وامتلك عقلا ولم يتحرك. ---- صحيفة الاسبوع المصرية في 20 -6 -2005

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.