أفاقت إسرائيل من احتفالاتها بإرغام السلطة الفلسطينية علي سحب طلبها من مجلس حقوق الإنسان في جينيف للبحث في تقرير "جولد ستون" الذي أدان الدولة العبرية بارتكاب جرائم حرب في غزة واحالته إلي مجلس الأمن لنري أن إساءاتها المتكررة للسلطة ورئيسها محمود عباس "أبومازن" قد تكلفها ثمنا باهظا يتمثل تحديدا في أضعافهما في مقابل تعزيز مقارنة حركة حماس، والتي بدأت بالفعل في الاتجاه نحو تأجيل التوقيع علي اتفاق المصالحة المزمع توقيعه نهاية الشهر الجاري. وبعد فشل مهمة المبعوث الخاص للرئيس باراك أوباما إلي الشرق الأوسط جورج ميتشل التي جاء من أجلها ان الأراضي الفلسطينية وإسرائيل لاستئناف المفاوضات فيما بينهما، فقد حمل المبعوث الأمريكي هذا الفشل لجولته السادسة بمنطقة الشرق الأوسط في غضون أقل من عشرة أشهر إلي إسرائيل، ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وطالبه البيت الأبيض بأن يكفي عن الممارسات التي تضعف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتقوي خصومه من حركة حماس وغيرها. الإدارة الأمريكية قلقة من أجواء التوتر المتصاعدة في القدس والمناطق الفلسطينية الأخري وأثرها علي قوي السلام الفلسطينية بقيادة عباس، والذي بدأ يفقد تأييده من شعبه بعد أزمة التقرير بوضوح، وتقوي خصومه وأرادت الإدارة الأمريكية بذلك تخفيف وطأة الاحتقان الذي يسود الشارع الفلسطيني بالحد من الهجمة الاستيطانية السافرة وأثرها علي تهويد القدسالمحتلة والمسيرات والزيارات والصلوات الاستفزازية اليهودية في باحة الأقصي التي تستغلها قوي التطرف الأصولي في إسرائيل وقطاع غزة لأشعال لهيب الصراع أكثر وأكثر ودهورة المنطقة إلي انتفاضة ثالثة. إسرائيل تعتبر أن الرئيس عباس قائد ضعيف، لكنه مازال الأفضل بالنسبة لها في الظروف التي تواجهها، غير أن هناك جهات معينة في إسرائيل وقفت وراء التسريب الذي حدث حول تقرير جولد ستون متعمدة وهي الجهات التي لا تري في عباس شريكا لعملية السلام وأن لا مستقبل لمفاوضات مع الفلسطينيين لأنها لن تقود إلي أي مكان. لقد حشر سلوك إسرائيل الرئيس عباس في الزاوية وألب عليه شعبه، وربما ينسحب من المنافسة علي الرئاسة في الانتخابات المقبلة خصوصا في حال تم التوصل إلي اتفاق تبادل أسري بين إسرائيل وحماس مما سيعزز مكانة حماس، والتي رأت نفسها في موقع أقوي وأفضل من أي وقت مضي، وطالبت قيادات في الحركة من القاهرة أرجاء توقيع اتفاق المصالح حتي أشعار آخر، وبدا أن حركة حماس راغبة في التريث ولو قليلا قبل إعلان موقفها القطعي والنهائي من موعد التوقيع معللة أن الحركة ناقشت الموضوع في أوساطها الداخلية وأنها تري أن الأجواء غير ملائمة. ربما لا تعتمد حجة حركة حماس طويلا خاصة بعد تهديد القاهرة بأن يكون تأجيل التوقيع علي اتفاق مصالحة مفتوحا لأجل غير مسمي فيما لو طلبت حماس التأجيل خاصة وأن مصر سئمت من كثرة الدعاوي للتخلي عن المصالحة الفلسطينية. وهي بدورها مستعلن عن المسئول عن افشال الحوار أيا كان، كما أن الفصائل الفلسطينية لا تري مصلحة في أرجاء الحوار، وانهاء حالة الانقسام وإعادة بناء الوحدة الوطنية لأنها الطريق الوحيد لانهاء القرارات الانفرادية، والانقلابات السياسية والعسكرية علي القيادة الجماعية، ووثائق إعلان القاهرة، وبرنامج وثيقة الوفاق الوطني الوحدية. فالموقف الموحد للفصائل الفلسطينية من الذهاب إلي الحوار الوطني وتوقيع اتفاق المصالحة وعدم خلط الأمور بعد خطيئة تأجيل مناقشة تقرير جولدستون والتعامل مع هذا التقرير كملف خاص، ربما يجعل حركة حماس تعيد النظر وتعدل عن قرارها بالتأهيل لأن قضية الحوار هي الأهم الآن لتأسيس شراكة حقيقية لمحاصرة كل من يريد التفرد بالقرار الفلسطيني، وتأجيل الحوار أمر خاطيء مضار وستبقي مفاعيل الانقسام قائمة، ويعمق الصراع علي السلطة والنفوذ بين حركتي فتح وحماس. لقد كان للغضب الشعبي المتعاظم تأثير كبير علي اعتراف السلطة لخطئها في سحب التقرير أو ربما يكون الرئيس عباس يمر بأصعب فترة له منذ توليه الرئاسة عقب وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات قبل نحو خمس سنوات لكن المهم هنا أن يكون التراجع في مكانه، خاصة وأن التراجع في مكانة الرئيس عباس جاء بعد عام من صعوده المتنامي لذا فإن عباسل لن يكون قادرا علي الذهاب إلي المفاوضات مع إسرائيل هذه المرحلة، ما لم تعطه تنازلات جديةمثل وقف الاستيطان وليس فقط تسهيلات حياتية وبوادر حسن نية، خاصة وأن إسرائيل أدركت متأخرا أنه ليس من مصلحتها التسبب في مزيد من الاحراج للسلطة فضلا عن ضغوط أمريكية تمارس عملها للعمل من أجل تعزيز مكانة عباس لا اضعافها، في ضوء احتمالات بأن تكون إسرائيل تعمدت الاساءة إلي السلطة ورئيسها لعرقلة الجهود المصرية للمصالحة الفلسطينية من خلال ابتزاز موقف عباس من تقرير كولدستون!!