مرة أخري نعود إليكم بعد انقطاع إجازة الصيف التي لم تكن إجازة، ولم تحمل من تفاصيلها إلا الاسم.. ومع ذلك لا بأس فهذا الأمر يبدو متسقاً جداً مع ما يجري من حولنا. لكنني أتصور وقد يتفق البعض معي اننا حينما نجد شخصاً يقول كلاماً متضارباً، متناقضاً غير متسق أنه ولابد متعاطي حاجة وكان التعليق علي هذه الأقوال يتلخص في عبارة تهكمية تقول "صباح الخير بالليل". ولأنه يبدو أنه من غير المعقول أن تكون هناك قرارات "متعاطية حاجة" وقفت حائراً أمام مجموعة من المواقف والأخبار التي جعلتني أشك في مسألة التعاطي هذه. كل الجرائد، وكل وسائل الإعلام، أؤكد كلها نشرت وفي صدر صفحاتها الأولي خبراً يقول "اضبط ساعتك، التوقيت الشتوي لاحظ يبدأ يوم 21 أغسطس. يا مثبت العقل والدين، هي المسألة ناقصة تخريف، فيه بلد في العالم توقيته الشتوي يبدأ في عز الصيف، أكيد ألاسكا نفسها لديها توقيت صيفي، وآخر شتوي"، أوليس لديها هذا اللعب بالوقت، الذي لا فائدة من ورائه، إنما لن يجرؤ عاقل أن ينشر هذا التناقض. والقصة أن رمضان جاء في عز الصيف، وسيستمر خلال السنوات القادمة علي هذا الحال، ونحن أصحاب الورع والتقوي، نريد أن نفطر ساعة بدري، إذن.. فليكن التوقيت الشتوي في عز الصيف وصباح الخير.. بالليل. علي نفس النمط.. كنا زمان ننتظر أن تنشر الجرائد امساكية رمضان التي تحدد فيها، أوقات الصلاة، ووقت الإفطار والإمساك، ولكن عندما فتحت جرائد الأمس، وجدت جداول علي مساحة صفحات كاملة ولكنها لمسلسلات رمضان. هناك حرب شرسة طاحنة ضروس، علي المسلسلات، والقنوات جديدة وقديمة كل منها يحاول أن يثبت أقدامه في شهر الصوم، والعبادة الذي تضاعف فيه الحسنات. اختفت امساكية رمضان، في شهر رمضان، وظهرت إعلانات المسلسلات، والبرامج، والقنوات، علي صفحات كاملة، والمطلوب منا بالطبع أن نتابع كل ذلك. وبإحصاء بسيط يستطيع أي شخص أن يعرف أن كم المعروض يتجاوز بكثير عدد ساعات الليل والنهار بافتراض أن كلاً منا سيتفرغ للمشاهدة طوال ثلاثين يوما وليلة، لن ينام ثانية واحدة، وسيظل موجها كل مشاعره، نحو الشاشة، معتصما بالريموت كونترول، مقلباً بين القنوات المختلفة، ورغم ذلك فلن يقدر. لكنني أظن أن رمضان شهر التوبة والمغفرة، والعمل الحسن، شهر القرآن، والتسامح، والعطف علي الآخرين، شهر العمل وتحصيل ما فاتنا منه ولكني اكتشفت انني مخطيء. وإذا أردتم الإثبات، افتحوا صفحات الجرائد، أي جرائد، وشوفوا حجم إعلانات المسلسلات.. وصباح الخير بالليل.. وكل عام وأنتم بخير.