أفرح بمحاضرات العلماء بمكتبة الإسكندرية فرحة طفل سينال أرقي حلوي يقدمها له أبوه. وحين وصلتني دعوة إسماعيل سراج الدين لحضور محاضرة للدكتور أحمد زويل بمكتبة الإسكندرية في نهاية هذا الأسبوع، وجدت نفسي في حالة شجن شديد، متذكرا محاضرة أخري لن أنساها أبدا إلي أن أجد لها إنقاذا تطبيقيا في مصر المحروسة، وأعني بها محاضرة فيلسوف البساطة العلمية السيد بانكر روي الهندي الرائع الذي تعلم في الخارج، ثم عاد إلي الهند ليرفض الترشيح للبرلمان ويرفض الحياة الرايقة التي يمكن أن توفرها له أسرته، وأصر علي أن يعيش أياما في قرية عائلته الواقعة علي جبل، حيث يعاني أهل تلك القرية من شظف العيش، وهناك سمع يأس الأهالي من عدم الثقة في الحكومات المتتابعة للهند، تلك التي تعد بإدخال الخدمات البسيطة إلي القرية الجبلية دون أن يتحقق أي وعد خلال نصف قرن. كانت القرية الهندية تعاني من سقوط المطر معظم الوقت، لكنها عطشانة، وترقب القري الأخري المستمتعة بالكهرباء دون أن يكون لأهالي القرية نصيب من النور. وقال أحد عواجيز القرية ضاحكا لبانكر روي "لماذا لا تساعدنا بما تعلمته كي نصطاد الأمطار؟"، وبالفعل استطاع بانكر روي أن يبني منزلا علي هيئة منازل القرية، وأضاف له خزانا للمياه أسفله، وأحضر أسطحا يمكن أن تصطاد الطاقة الشمسية، وعن طريق تلك الطاقة يمكن تشغيل موتورات لرفع المياه من الخزان الذي تم بناؤه أسفل المنزل، ويمكن أيضا أن تستخدم الطاقة الشمسية في إضاءة المنزل، فضلا عن تشغيلها للتليفزيون والثلاجة. وخلال عام واحد استطاع أهالي القرية أن يعيدوا تصميم بيوتهم - دون هدمها - وبنوا أسفلها خزانا يحفظ أنقي مياه في الكون، وهي مياه الأمطار، وصنعوا بأنفسهم المواقد الشمسية التي يمكن أن يصطادوا بها الطاقة التي تدير كل مرافق البيت، التليفزيون والثلاجة والحجرات. وأنشأ بانكر روي جامعة هندية اسمها جامعة الحفاة، والتحقت بها نساء القرية وعلمهم كيفية صناعة المواقد الشمسية سواء تلك التي تعمل لإدارة كل مرافق المنزل، وتعمل أيضا علي رفع المياه من الخزانات الموجودة تحت البيوت. ولم تكن الرحلة سهلة، ولكنها رحلة عالم وضع أفكاره مع أفكار البسطاء فتطورت الحياة في القرية الهندية. وحين جاء الرجل إلي مصر، تحمس واحد من رجال الأعمال وأعلن التبرع بمائة ألف دولار لتطبيق مثل هذا المشروع في مصر لعله يمكن أن يزيل الفقر عن بعض من الفقراء، وعندما بدأت المكتبة في مطالبة رجل الأعمال بتنفيذ وعده، تهرب الرجل، ومازالت المكتبة تحتفظ بالتواصل مع بانكر روي لعل وعسي أن يتم تعليم بعض من أهالي القري إنارة بيوتهم دون كهرباء من السد العالي ودون مولدات تكلف الكثير من البترول، وإلي الآن لم يتقدم أحد للاستفادة من التجربة، وكلي أمل ممن يديرون مشروع تطوير الآلف قرية فقيرة أن يستفيدوا من تلك التجربة عبر الاتصال بإسماعيل سراج الدين فهو الصديق الشخصي لبانكر روي. أكتب هذا وكلي أمل أيضا في أن أسمع فكرة من د. أحمد زويل عن ترابط التليفزيون والصحافة وكل وسائل الإعلام برفع مستوي الوعي بالعالم عبر تطبيقات بسيطة تطور من حياة البشر. ولذلك سوف أذهب لسماع محاضرة زويل مع الحلم في أمل ينقذنا من فقر التفكير المنتشر بعنف فيما بيننا.