كلما تفاءل الفلسطينيون باقتراب انتهاء حالة التمزق ولملمة الشمل بين شقي الوطن، وانهاء حالة الانقسام التي لم تجلب عليهم سوي اللعنات والمزيد من الحصار والتجويع والفقر، وجدوا أنفسهم أبعد ما يكونون عن تحقيق هذا المطلب والذي أصبح مع الوقت أقرب إلي الحلم. والمعروف أن مصر تعمل بجهود حثيثة من أجل صوغ مسودة للاتفاق ووضع الترتيبات التي ستعقب التوقيع عليه بعد رعايتها العديد من الجولات الماراثونية للحوار بين الفصائل الفلسطينية علي مدار شهور طويلة، تحاول اختتامها بدعوة كل من فتح وحماس لاستئناف الجولة الأخيرة من الحوار، لوضع حلول للقضايا الثلاث المتعلقة بلجان الحكومة والانتخابات والأمن. وهناك اقتراح مصري بتشكيل فريق أمني أو لجنة أمنية فصائلية تضم حركتي فتح وحماس وقوي فلسطينية مختلفة لمتابعة تطبيق الاتفاق علي ذلك من الحركتين معا إذ ستجتمع حركتا فتح وحماس في لقاء بإشراف مصر التي ستدعو اللجان للعمل بعد حدوث حلحلة في مواقف الجانبين من القضايا العالقة. ورغم حالة الحراك التي تشهدها الساحة المصريةلجسر الهوة بين فتح وحماس وإجراء المصالحة وانهاء ملف الانقسام، إلا أن المنغصات بين الحركتين مازالت قائمة وحتي اللحظات الأخيرة، الأمر الذي لا يدعو إلي التفاؤل ويجعل من أمر الاتفاق يتراجع إلي الوراء فالبيانات التي تصدر من الطرفين تعتمد أسلوب التصعيد، والاتهامات المتبادلة تعكر صفو الأجواء المفترضة لتوقيع الاتفاق. وقد جاء آخر بيانات حماس متهمافتح بمحاولتها ازاحتها عن العمل السياسي من خلال اعتماد نظام الانتخابات النسبية، واعتبر البيان أن حماس رقم صعب في المعادلة ومن يتجاوزها سيخسر ويعود للتعامل معها في النهاية، وتعتبر حركة حماس أن الحكومة المصرية تتعامل مع الأمر الواقع في غزة سواء قبلت ذلك فتح أو لم تقبل، بل وترفض حماس حتي الآن تشكيل لجنة مشتركة من الفصائل الفلسطينية لإدارة شئون قطاع غزة. وهناك أمر آخر أكثر تأزما وتوترا بين الحركتين يتعلق بملف المعتقلين لدي الطرفين، حماس مازالت تتهم السلطة والأجهزة الأمنية في الضفة الغربية باجهاض المحاولات التي تبذل لانهاء الانقسام الداخلي عبر رفع وتيرة عمليات الاختطاف بشكل عام، ولكن فتح تؤكد من جانبها أن الحركتين اتفقتا علي وقف حملات الاعتقال السياسي ورفضه بشكل قاطع، ووقف أشكال التحريض الاعلامي كافة لكن يبدو أن حركة حماس لا تقتنع بما يصدر عن فتح من أقوال متهمة اياها بممارسة أفعال لا تعكس بالقطع الأقوال التي تصدر عنها من حين لآخر، خاصة فيما يتعلق بملف المعتقلين. الأخطر في الموضوع أن إسرائيل تلعب علي هذه الخلافات والمتناقضات بين طرفي الصراع لتعميق الانفصال بين الضفة وغزة فقد اكدت منظمتان إسرائيليتان غير حكوميتين أن إسرائيل تمنع عمليا السكان في قطاع غزة من الاقامة في الضفة الغربية حتي لدواع إنسانية، ونشرتا للمرة الأولي وثيقة حكومية إسرائيلية تضفي طابعا رسميا علي القيود المفروضة علي انتقال سكان القطاع إلي الضفة الغربية. هذه الآلية تشكل تصعيدا لسياسة الفصل الاسرائيلية بين غزة والضفة ومما لاشك فيه أن هذه التعليمات تلبي سياسة هدفها تشجيع انتقال الفلسطينيين من الضفة الغربية إلي غزة وليس العكس فقطاع غزة في نظر إسرائيل هو ثقب أسود يتم رمي الفلسطينيين فيه دون الاهتمام بهم بعد ذلك. وإذا كان هذا هو الحال الداخلي الفلسطيني، فإن الحال الخارجي لا يبتعد كثيرا عن صورة المشهد الداخلي، بما يحمل من تخبط وعدم استقرار، فالواقع السياسي أكثر تعقيدا بعد الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خاصة أن الكثير من الفلسطينيين كان يري في المقاربة الجديدة للرئيس الأمريكي باراك أوباما من قضايا المنطقة فرصة لتوجيه ضغط علي نتنياهو لابداء مرونة سياسية أكبر لكن آمالهم تبددت بعد الخطاب الذي رحبت به الإدارة الأمريكية باعتباره خطوة مهمة. وهناك خشية فلسطينية من أن يتعرض المفاوض الفلسطيني وقيادته إلي ضغوط أمريكية للشروع في مفاوضات مع إسرائيل في محاولة للتوصل إلي ما لا يرونه ايجابيا في خطاب نتنياهو خصوصا الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، رغم أن نتنياهو لم يقل إنه يقبل بحل الدولتين وفق حدود يونية ،1967 وهذا يعني أنه لا توجد دولة فلسطينية خاصة بعد أن أعلن أن القدس ستبقي موحدة تحت السيطرة الاسرائيلية. وفي حال قبول السلطة الفلسطينية الضغوط الأمريكية لجهة التفاوض مع إسرائيل فإنها ستكون ضربة قاضية لمصداقيتها، خاصة إذا ما وافقت السلطة التفاوض مع نتنياهو تحت هذه الظروف، ففي ذلك هزيمة كبيرة للسلطة، كما يعني أن رئيس الحكومة الاسرائيلية قد أغلق كل شيء، ولن يكون هناك أي مفاوضات وأخيرا فإن الضعف الذي تعانيه السلطة في الوقت الحالي هو نقطة قوة لا يستهان بها فالأطراف الدولية جميعها أمريكا وإسرائيل والأوروبيون والعرب معنيون بوجود السلطة وهذا عنصر قوة لها عليها استغلاله في الضغط لرفض التفاوض تحت شروط نتنياهو والاستيطان!!