فجرت قضية القمح الروسي الفاسد علي مدار الثلاثة أسابيع الماضية أزمة خطيرة في أوساط الجهات الحكومية والمستوردين. وفي الوقت الذي تم فيه إحالة القضية إلي جهات التحقيق المختصة "النائب العام" إلا انها أعادت إلي الأذهان ما أعلنه من قبل المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة عندما ظهرت هذه الواقعة مع القمح الأوكراني.. حيث أكد الوزير أن تفجير مثل هذه القضايا جاء بسبب الخلافات والصراعات بين الشركات المستوردة. ثم جدد وزير التجارة والصناعة تأكيده بعد تكرار الواقعة مع القمح الروسي.. لافتا إلي أن وجود تضارب في المصالح بين المستوردين تسبب في إطلاق الشائعات علي الواردات من القمح. وإذا كانت القضية قد تفجرت بسبب الخلافات بين هذه الشركات فإن الجهات الحكومية وقعت أيضا في نفس القضية.. ففي الوقت الذي تمت فيه إحالة القضية إلي جهات التحقيق إلا أن الرأي العام فوجئ بما تناقلته وسائل الإعلام عن أحمد أبو الغيط وزير الخارجية خلال مباحثاته في روسيا وإعلانه أن مصر ستواصل استيراد القمح من روسيا. لكن في الوقت الذي التزمت فيه وزارة التجارة والصناعة الصمت خاصة بعد إحالة القضية إلي جهات التحقيق المختصة. إلا أن تصريحات أبو الغيط فتحت الباب لقضية أخري في غاية الخطورة حيث لم تعد الخلافات مقصورة علي الشركات المستوردة.. بل امتدت إلي صراع ظاهري عبر المحيطات بين الشركات أو الدول المصدرة للقمح في العالم. "الأسبوعي" فتش في الدفاتر القديمة لصراعات الدول المصدرة للقمح لمصر. الصراعات بين الشركات المصدرة للقمح تذكرنا بالصراعات التي حدثت علي مرأي ومسمع من الدكتور حسن خضر وزير التموين السابق في عام 2004 وخلال المحادثات التي كانت تجريها الحكومة المصرية مع كل من روسيا وأوكرانيا لعقد صفقات تبادلية تقوم علي استيراد الأقماح من الدولتين مقابل سلع وبضائع مصرية. وكشف الوزير السابق آنذاك أن هناك جهة أجنبية تراقب عمليات استيراد القمح من الخارج والصفقات التي تعقدها مصر مع بعض الدول ووصل الأمر إلي أن قام مسئول بإحدي السفارات الأجنبية بمراقبة تحركات الوزير ولقاءاته في الفندق الذي يقيم فيه بروسيا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلي أنه عندما عاد وزير التموين السابق إلي القاهرة تمهيدا لإعداد مذكرة إلي مجلس الوزراء بشأن المباحثات مع الروس والأوكرانيين أنه فوجئ بأحد المسئولين بسفارة أجنبية يسأله حول مشروع الصوامع وإمكانية مساهمة بلاده في هذا المشروع فرد عليه الوزير بقوله: هذا المشروع متواجد منذ سنوات طويلة فلماذا تفكرون فيه الآن؟! وأسر د. خضر إلي بعض معاونيه أن الهدف ليس مشروع الصوامع وإنما السبب الرئيسي في الزيارة أن هذا المسئول جاء ليعرف آخر تفاصيل الاتفاق المصري الروسي والأوكراني. وقال د. خضر في وقتها إن عمليات استيراد القمح من الأسواق التقليدية، ومنها السوق الأمريكي، تراجعت بنسبة كبيرة حتي وصلت إلي 20% وجاءت في ترتيب متأخر بعد أن كانت تحتكر 80% من السوق المصري. وعلق بعض المراقبين للسوق بأن "التجسس التجاري" دخل ملعب سوق القمح المصري، مما أشعل المنافسات والمعارك الخفية علي حصة مصر وانعكس علي الأسعار وارتفعت وظهرت وسائل مشروعة وغير مشروعة في عقد الصفقات. كما شهدت الفترة الأخيرة صراعا محتدما بين الدول المصدرة للقمح علي السوق المصرية ثاني أكبر مستورد للقمح في العالم. فقد شككت فرنسا في جودة القمح الأوكراني، وقالت إنه لا يصلح إلا كعلف للحيوانات في حين خفضت أوكرانيا وروسيا في الأسعار. أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فأعلنت مؤخرا إيقاف العمل ببرنامج علامة الجودة للقمح الأمريكي بحجة التلاعب فيها أي في نسب خلط القمح الأمريكي بالأقماح الأخري في انتاج الخبز رغم أن المسئولين بالقطاع الخاص فسروا ذلك بالرغبة الأمريكية في عقد صفقات جديدة بعد تراجع واردات مصر من القمح الأمريكي لصالح القمح الروسي والأوكراني الذي يقل في السعر عن الأمريكي.. كما أن القمح الاسترالي والبولندي يتفوقان علي الأمريكي في مادة الجولتين والبروتين في بعض الأصناف بل إن هناك أصنافا من القمح المصري تتفوق في ذلك علي أصناف من القمح الأمريكي الذي وصل سعره إلي نحو 1750 جنيها للطن في حين بلغ سعر الطن من القمح حوالي 1250 جنيها للطن.