هكذا كانت السياسة المالية التي طبقتها حكومة الدكتور نظيف الأولي والثانية علي مدار خمس سنوات.. فهل نجحت في تحقيق أهدافها أم انها لحقت ما قبلها من سياسات حكومية وصفها الخبراء الاقتصاديون من قبل بأنها فاشلة؟ هل كانت عناصر هذه السياسة مجرد مجموعة من التجارب الأخري التي طبقتها علينا الحكومات المتعاقبة خلال العشرين عاما الماضية بما فيها حكومة نظيف.. نترك الإجابة للخبراء الاقتصاديين. يلفت الدكتور صلاح الجندي أستاذ الاقتصاد وعضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطني إلي أن السياسة المالية التي جاءت بها الحكومة استطاعت إحداث طفرة في الأداء الحكومي نتج عنه تحقيق معدل نمو بلغ 7% لكن تلك الحكومة دخلت في حلقة مفرغة تشابكت فيها عملية التنمية مع الروتين الحكومي وعدم قدرة الحكومة علي توصيل ثمار هذا النمو إلي قاعدة الهرم وحصدها قمته وحدها. ويشير الجندي إلي أن وزارة المالية سعت إلي تخفيض الدين العام بنسبة تقل عن نسبة زيادة الناتج المحلي الاجمالي وكذلك تخفيض نسبة العجز في الموازنة العامة ب 1% سنويا للوصول إلي المعدلات الدولية وهي 3% وذلك حتي العام المالي 2011/2012 إلا أن النتيجة لم تكن علي المستوي المطلوب فقد تزايد الدين العام حتي بلغت نسبته داخليا 95% من الناتج المحلي بل وعاد عجز الموازنة العامة إلي ما كان عليه قبل تولي هذه الحكومة في يولية 2004. وتتفق الدكتورة عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد جامعة القاهرة مع ما سبق حول ضرورة التركيز علي الدين الداخلي.. مشيرة إلي أن التركيز علي الدين الداخلي وزيادة عجز الموازنة العامة وما يتبعها من زيادة الدين العام مسألة مطلوبة في بعض الحالات لمواجهة الركود حيث تزيد الحكومة إنفاقها وتعمل علي خفض أسعار الفائدة وهذه السياسة اتبعتها مصر خلال السنوات الماضية ولكن من الواضح انها لم تحقق الهدف المرجو منها فلم ينشط الاقتصاد بالدرجة المطلوبة وتزايد الدين العام وبالتالي أصبحنا بحاجة إلي تحرك اقتصادي قوي. الإصلاح مؤسسي وتري الدكتورة عالية المهدي أن كل ما يتم من إصلاح جمركي وضريبي لن تكون له قيمة إلا إذا تم استكمال الإصلاح المؤسسي الذي بدأ منذ سنوات مثل تبسيط عمليات تسجيل الأراضي والعقارات التي من شأنها المساعدة علي توفير التمويل اللازم للقطاع الخاص وسرعة حسم المنازعات. ويقول الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة إن القرارات الاقتصادية للحكومة مؤخرا لعبت دورا كبيرا في زيادة الدين العام المحلي والخارجي وأكبر دليل علي ذلك إصدار السندات الدولارية للاقتراض من الخارج وكذلك مبالغة الحكومة في خفض الجمارك والضرائب التي تمثل المصدر الأساسي لإيرادات الدولة حيث خفضنا الجمارك بحيث أصبح الحد الأقصي لها 12% في حين أن التزاماتنا الدولية تسمح لنا بفرض جمارك ما بين 25% إلي 28%. ويطالب عبد الخالق بإعادة النظر في الإنفاق العام فهناك بنود لا مبرر لها مثل الإنفاق علي احتياطات الأمن الداخلي وكذلك الدعم الذي يذهب إلي الأغنياء أكثر من الفقراء محذرا من توزيع الموارد علي الأغنياء والفقراء علي حد سواء مما يؤدي إلي انفجار اجتماعي. ويطالب الدكتور أحمد شوقي رئيس جمعية الضرائب المصرية بإعادة النظر في بعض جوانب الإنفاق العام وإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة مما سيكون له دور كبير في تقليص النفقات لوجود الكثير من القطاعات المتماثلة في الوزارات لا داع لتكرارها ويجب وضع خطة لتقليص الإنفاق الترفي الذي لا مبرر له وأفضل جهة لتحديد هذا النوع من الإنفاق هي الجهاز المركزي للمحاسبات. وأوضح انه لاتزال هناك عشوائية كبيرة داخل المجتمع الضريبي نتيجة التقديرات الجزائية وانتشار حالات الازدواج الضريبي رغم رفع الضرائب من بين معوقات الاستثمار في التقارير الدولية بعد الإصلاحات التشريعية التي تمت خلال الفترة الماضية. خطوات مطلوبة بينما نبه أشرف عبد الغني رئيس جمعية خبراء الضرائب والاستثمار إلي تفعيل قانون الضرائب واستكمال تطبيق المواد المعطلة فيه خاصة المتعلقة بإنشاء المجلس الأعلي للضرائب والذي يمثل محامي الممولين والمسجلين في مصلحة الضرائب المصرية خاصة وأن لهذا المجلس دورا كبيرا في دراسة القوانين واللوائح التي تخص الضرائب كما انه يقوم بمراقبة أداء مصلحة الضرائب المصرية والتزامها بتنفيذ احكام القوانين الضريبية. ويضيف عبد الغني أن هناك بعض التعديلات التي أعلنتها مصلحة الضرائب منها تقسيط الضريبة وكذلك تعديل المادة 18 الخاصة بالمنشآت الصغيرة والنص في القانون 91 لسنة 2005 علي إلزام الممولين بإصدار فواتير ضريبية. ويطالب نصر أبو العباس أحمد المحاسب القانوني بسرعة إصدار قانون الضريبة علي القيمة المضافة بديلا عن قانون الضرائب العامة علي المبيعات خاصة وأن الوقت مناسب الآن في ظل تراجع الأسعار وفي نفس الوقت تراجع معدلات التضخم خاصة وأن الحكومة أعلنت انها انتهت من إعداد مشروع هذا القانون منذ ما يقرب من عام فلماذا تأجيله وعدم صدوره حتي الآن رغم إعلان رئيس الحكومة أمام البرلمان في بياناته المختلفة. ويشير أبو العباس إلي أن القانون المقترح يوحد فئات الضريبة ويعمم الخصم الضريبي علي السلع والخدمات ويرفع حد التسجيل في ضريبة المبيعات إلي نصف مليون جنيه مما يخفف العبء عن الجهاز الضريبي.. وكذلك ينهي الكثير من المنازعات الضريبية بين المسجلين ومصلحة الضرائب المصرية فضلا عن أنه يسمح بنمو المنشآت الصغيرة وزيادة عددها وتوسع استثماراتها وبالتالي تحولها إلي مشروعات كبيرة.