الزميل والصديق عبدالعزيز محمود هو الجندي المجهول في كتيبة "العالم اليوم"، لأنه -بحكم طبيعة عمله كمسئول عن سكرتارية التحرير في الجريدة- يعمل "وراء الكاميرا"، وبعيدا عن الأضواء، رغم أنه كاتب رصين وشاعر جميل يخفي إبداعاته التي تتسلل رغم أنفه في لحظات استثنائية. وهو إلي جانب ذلك يتسم بحساسية عالية إزاء القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعندما تكون هناك مسألة ملتبسة تفاجأ بأن عبدالعزيز محمود يمتلك قدرا كبيرا من وضوح الرؤية وصفاء التحليل. وقد ضبطته منذ بضعة أيام متلبسا بحضور ندوة كان لي شرف المشاركة فيها، وكالعادة كان حضوره متميزا، ورؤيته ثاقبة، علي النحو الذي ينطق به تحليله للأفكار الرئيسية الواردة في تلك الندوة التي احتضنها صالون عبدالرحمن بدوي الذي يرعاه ابن شقيقه رجل الأعمال المثقف محسن بدوي. *** إعداد الدولة للعلم لست من هواة حضور الندوات.. ربما هو الكسل.. وربما عدم الاقتناع بجدواها.. فغالبا ما تتفوق شهوة الكلام علي قدرة الفعل، ثم قدر لي مؤخرا أن أحضر ندوة بصالون عبدالرحمن بدوي حول موضوع مهم هو مبادرة "حلم العلم" للشاعر جمال بخيت تحدث فيها عالم النانوتكنولوجي الدكتور محمد النشائي والكاتب الصحفي الاستاذ سعد هجرس والدكتور نادر فرجاني. دارت المناقشات والمداخلات وارتفعت درجة حرارة القاعة بالتدريج إلي أن وصلت أعلي درجاتها بقصيدة رائعة هزت الوجدان الموجوع للشاعر صاحب المبادرة. اللافت للنظر أن المبادرة "حلم العلم" ليست حلم عالم من نبت مصر أو حلم مسئول في هذا البلد، وإنما حلم شاعر مهموم بالوطن ومستقبل أجياله القادمة المغلف بالضباب. شاعر لا يملك الفلوس أو النفوذ، لكنه فقط يملك الحس المرهف والأمل في التغيير رغم كل احباطات الواقع. كلمات المتحدثين ومداخلات الحاضرين افرزت عناوين لقضايا بالغة الأهمية والتعقيد. قضية التعليم وتدهوره، والذي يفرز خريجين غير صالحين لسوق العمل وغير مؤهلين للحاق بقاطرة العلم والبحث العلمي التي تسير بسرعة الصاروخ في العالم المتقدم.. المناخ العام الذي يتسم بالضبابية والعشوائية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. البيروقراطية الحكومية وانعدام الثقة بين المواطن والدولة والذي يعوق أي مشروع قومي للنهضة يمكن أن يسهم فيه الجميع ويجني ثماره الجميع. لا أشك لحظة واحدة أن اثارة هذه القضايا حول مبادرة حلم العلم من قبيل بث اليأس في النفوس لكنها تعكس قلقا حقيقيا علي الأوضاع الراهنة والمستقبلية ايضا. فكيف نغرس غرسا في أرض بور وننتظر منها ثمارا جيدة؟! وكيف نعلو ببناء شاهق دون اساس متين ونتوقع ألا ينهار فوق رءوسنا؟! لكي تصبح المبادرة "حلم العلم" مشروعا حقيقيا لابد أن تسبقها أو تواكبها مبادرة أخري ربما تكون أكثر أهمية وهي "اعداد الدولة للعلم".. علي نمط اعداد الدولة للحرب. فمثلما يتطلب اعداد الدولة للحرب اقتصادا قويا وطرقا ممهدة وامكانات تسليحية متفوقة وجبهة داخلية متماسكة، يتطلب اعداد الدولة للعلم بنية تحتية للتعليم المتميز وادارة متفوقة ومخلصة لامكانات الدولة المادية والبشرية. والأهم من ذلك كله توافر ارادة سياسية ومجتمعية تسعي لانجاز مشروع نهضوي يمكن أن يغير وجه الحياة علي أرض مصر، وإن لم يتحقق ذلك قريبا وقريبا جدا فسوف يأتي يوم نبكي فيه وطنا كنا نفاخر به الأمم. عبدالعزيز محمود