في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي حظيت إسرائيل بأكبر حكومة في تاريخها -تضم 30 وزيرا ولفتت حكومة نيتانياهو الأنظار باللهجة التي تحدثت بها منذ أن فازت بالثقة في الكنيست.. كانت لهجتها تنبيء بسياسة يمينية غارقة في التطرف بيدَّ أن ما جهر به نيتانياهو حول القضية الفلسطينية في العلن هو نفس ما مارسه سلفه أولمرت سرا أي أن السياسة واحدة ويبقي التباين في اللهجة فقط. باراك القاسم المشترك لحكومتين لم تحقق حقبة أولمرت شيئا للفلسطينيين علي صعيد العملية السلمية بل علي العكس استغلت المرحلة برمتها لتحقيق مكاسب لإسرائيل تمثلت في توسيع الاستيطان ومصادرة الأراضي والسير قدما في تهويد القدس وفرض الحصار علي الفلسطينيين وتحويل غزة إلي معتقل يضم مليوناً ونصف المليون فلسطيني بالإضافة إلي المحرقة التي سلطتها حكومة أولمرت علي غزة فقتلت الكثيرين ودمرت المدينة بأكملها، أما القاسم المشترك بين حكومتي أولمرت، نيتانياهو فهو مشاركة إيهود باراك في كل منهما، فباراك كوزير للدفاع في حكومة أولمرت صاغ النهج العسكري الإجرامي ضد الفلسطينيين ولا شك أنه سيفعل الشيء نفسه مع حكومة نيتانياهو بعد أن أثبت وبجدارة أنه غارق في اليمينية المتطرقة وبالتالي لا يوجد فارق كبير بينه وبين أعتي الصقور وأعني به افيجدور لبيرمان. خداع حكومة أولمرت الفارق بين الحكومتين أن حكومة نيتانياهو لم تخدع أحدا بشعارات التسوية مع الفلسطينيين ولم تتحدث عن الوعد بأن يكون الحل من خلال الدولتين وإنما تنصلت منذ البداية من العملية السلمية واكتفي نيتانياهو بالحديث عن ترتيبات مع الفلسطينيين شرحها فيما بعد علي أنها ستكون في إطار ما أسماه بالسلام الاقتصادي ويعني به تحسين المستوي المعيشي للفلسطينيين. أما حكومة أولمرت فلقد خدعت الفلسطينيين عندما استمرت في تفاوض عبثي مع محمود عباس علي مدي عامين لم يسفر عن أية نتائج تذكر وبالتالي عادت القضية الفلسطينية إلي المربع صفر.. الدور الأمريكي وزيف وعوده ولا يمكن أن نغفل هنا الدور الذي قامت به الإدارة الأمريكية في نشر الوعود الزائفة وتسويق الوهم حول ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وامتد الخداع إلي مؤتمر أنا بوليس -27 نوفمبر 2007- والذي جاء انعقاده ليتوج الإعلان عن يهودية دولة إسرائيل. وخلافا لذلك تحدث عن وجوب وقف الاستيطان وهو ما لم يتحقق بل إن ما جري علي أرض الواقع كان النقيض وكأن ما أعلن في أنا بوليس بالنسبة للفلسطينيين لم يكن إلا واجهة شكلية لواقع زائف أريد به خداعهم بينما أعطيت إسرائيل الضوء الأخضر للمضي قدما في عملية استيطان مكثفة لم تحدث من قبل. وسارعت الإدارة الأمريكية فتسترت علي ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين حتي المحرقة لم تدنها بل بررت القيام بها عندما تحدثت عن أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها..!! ** الأولوية بالنسبة لنيتانياهو..؟ اليوم يأتي نيتانياهو وعلي صدر أولوياته برنامج إيران النووي والخطر الذي يمثله علي إسرائيل والعالم وهي قضية أولاها أهمية بالغة حتي أثناء حملته الانتخابية ومن ثم تعهد بمواجهة الملف حتي لو أدي الأمر إلي تدميره ومن ثم لن يكون لدي نيتانياهو وقت للقضية الفلسطينية ولن يعنيه كثيراً تقديم حل يسفر عن تسوية لقضية طال الانتظار لحلها. ولعل الفجوة بين حكومة أولمرت وحكومة نيتانياهو ليست بالكبيرة فالقضية الفلسطينية لم تحرك ساكناً خلال حقبة أولمرت بل تراجعت إلي نقطة الصفر. وبدا واضحاً أن الهدف الأساسي للحكومات الإسرائيلية هو تصفية القضية ويكفي مشروع التهجير القسري الذي مارسته حكومة أولمرت عندما أجبرت المقدسيين علي إخلاء منازلهم في القدسالشرقية توطئة لبناء وحدات سكنية للمستوطنين اليهود. خداع النفس وتسويق الوهم.. الغريب أن مسئولي السلطة الفلسطينية مارسوا خداع النفس وتسويق الوهم عندما شرعوا في الحديث عن أن عملية السلام قد انتهت بوصول حكومة نيتانياهو وكأن حكومة أولمرت قد فعلت المستحيل وقدمت لهم الانجازات المطلوبة رغم أن الأمر لم يختلف البتة، فحكومة أولمرت مارست التفاوض ولكنه كان شكلياً من قبيل الضحك علي الذقون. أما حكومة نيتانياهو فجاءت وفي صدر أولوياتها قضية الملف النووي الإيراني وهي لذلك لا تشعر بأي حرج عندما تتحدث عن الفلسطينيين من خلال التوصل معهم إلي مجرد ترتيبات تتعلق بتحسين مستوي معيشتهم. وعد بالكلمات.. سري الحديث عن إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة تعيش جنباً إلي جنب مع إسرائيل.. وقيل إنها أصبحت موضع إجماع عالمي سواء من قبل الأممالمتحدة أو اللجنة الرباعية الدولية أو المنظمات الإقليمية وهو أمر وثقته الإدارة الأمريكية السابقة وأعلنت عنه بيد أن هذا كله لم يتعد مرحلة الكلام إلي التفعيل علي أرض الواقع وظلت الأمور تراوح مكانها بالنسبة للفلسطينيين وظلت إسرائيل تمارس رياضة استغلال الوقت لصالحها من خلال بناء المستوطنات وإحكام السيطرة علي القدس وسياسة الترحيل القسري للفلسطينيين إمعانا في الوصول إلي الدولة اليهودية الصرفة تنفيذا لما جاء في "أنا بوليس" الذي أعلن خلاله تتويج إسرائيل كدولة يهودية وبالتالي من يظن أن عقارب الساعة في عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل قد أعادتها حكومة نيتانياهو إلي الوراء فهو واهم لأن عقابر الساعة أصلاً لم تتحرك إلي الأمام حتي يكون هناك عودة إلي الوراء. وماذا بعد؟ المرحلة معبأة بالكثير من خيبة الأمل للفلسطينيين تحديداً بعد أن تراجعت قضيتهم إلي المربع صفر حيث لم تخرج مسيرة السلام في عهد أولمرت بأية ثمار بل علي العكس كثفت إسرائيل الاستيطان وقضمت المزيد من الأراضي وتم الفصل السياسي والجغرافي بين الضفة وغزة، ونشطت المساعي لتهويد القدس وإجبار المقدسيين علي إخلاء منازلهم في عملية تهجير قسري، فماذا نحن فاعلون أمام حكومة نيتانياهو التي جاءت اليوم لتضع في صدر أولوياتها مواجهة ما أسمته بالتطرف الإسلامي ولتتواري معها عملية السلام فهي ليست في نيتها ولا في حساباتها...؟