علي هامش معرض الدفاع الدولي الذي استضافته أبوظبي أخيراً، أعلنت دولة الإمارات، علي لسان اللواء عبيد الكتبي أنها "طلبت من الشركتين الأمريكيتين لصناعة الطائرات بوينج ولوكهيد مارتن شراء 16 طائرة نقل عسكرية بقيمة 9.2 مليار دولار. وتشمل الصفقة مع بوينج شراء أربع طائرات "سي 17" تبلغ قيمتها "1،3 مليار دولار"، كما ستؤمن لوكهيد مارتن للقوات المسلحة الإماراتية 12طائرة للنقل الجوي من طراز "سي 130جيه"، ضمن صفقة بقيمة "1،6 مليار دولار". قضايا كثيرة تثيرها صفقات السلاح العربية المعلنة. إذ أن هناك الكثير من تلك الصفقات التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات التي لا يفصح عنها، إما رضوخا لطلب الدولة المزودة بالصفقة، أو لحرص جهات معينة في الدولة العربية المقتنية علي أن تبقي الصفقة في طي الكتمان، تداريا للفضائح التي ترافق تلك الصفقات، والتي قد تضع البعض تحت طائلة المساءلة. ولا تزال عالقة في ذاكرة الكثير من المواطنين العرب تلك الصفقة العسكرية البريطانية مع احدي دول مجلس التعاون البالغة قيمتها المباشرة 10 مليارات دولار، ترتفع "لتصل إلي 20 مليار دولار عندما تضاف لها عقود الصيانة وقطع الغيار". وكما هو معروف تسيطر علي سوق السلاح العالمية، التي تجاوزت قيمتها الإجمالية، خلال السنوات الخمس الماضية، 130 مليار دولار، 5 دول أساسية تستحوذ علي حصة الأسد من تلك المليارات. إذا بلغت مبيعات السلاح الأمريكية خلال تلك الفترة 63 مليار جاءت بعدها بريطانيا لتحصد 53 مليار دولار، وبعدها روسيا بقيمة 33 مليار دولار، ثم فرنسا بحوالي 17 مليار دولار، واخيراً "إسرائيل" بما يقارب من 9 مليارات دولار. بحسب ما جاء في أرقام صادرة عن الحكومة البريطانية. ويبدو ان الدول العربية تأتي في مقدمة مستهلكي السلاح في العالم، إلي درجة أن بعض المصادر تؤكد أن نصيب الفرد، في دولة خليجية من السلاح هو الأعلي عالميا. أولي القضايا التي تثيرها صفقات التسلح هذه هي من أجل ماذا تقتني الدول العربية، من دون أي استثناء هذه الأسلحة؟ إن كنا نتحدث عن الصراع المسلح مع "إسرائيل"، فالبلاد العربية، من دون أي استثناء، موافقة ضمنا وسلوكا علي التوصل إلي حل سلمي مع تل أبيب. قد تختلف الأساليب، وقد تتباين التحالفات التي تنسجها هذه الدول العربية عن تلك، لكن سياسيات أي منها لا تنبئ عن تحفيز لمعارك عسكرية قادمة. القصد من ذلك، اسقاط كل الدعاوي التي اجترها الإعلام الرسمي العربي علي امتداد أكثر من نصف قرن كي يبرر، إلي جانب صفقات التسلح التي أنهكت الموازنات العربية. واتخمت جيوب المستفيدين من تلك الصفقات، كل أشكال القمع ومصادرة الحريات التي عاني منها المواطن العربي، ودفع ضريبة باهظة لتمويل مشروع "تحرير فلسطين واستعادة الأراضي المحتلة" الذي لم يكن في جوهره أكثر من الصرف علي ما يضمن استمرار الفئة الحاكمة العربية ممسكة بدفة الحكم. القضية الثانية هي: أية استراتيجية تخدمها صفقات التسلح هذه؟ فقياس القوة العسكرية اليوم، لم يعد عملية حسابية سطحية تجرد عدد من تحت حوزة هذه الدولة من جنود ومعدات عسكرية إذ تستخدم اليوم مقاييس معقدة للحكم علي "كفاءة النظام العسكري" ويأتينا الدرس من العراق الذي صنف جيشه الرابع عالميا، لنكتشف انه غير قادر علي الصمود أكثر من ساعات قليلة أمام أي غزو أجنبي بل لم يحقق ما أدعاه في حربه مع قوة إقليمية مثل إيران. إن غياب منظومة عسكرية متكاملة تتحول فيها قطع السلاح إلي احدي مكونات تلك المنظومة، يجعل من تكديس السلاح بشكل عشوائي، بغض النظر عن مدي تطور أي من تلك القطع، عملية نزيف دائمة تعاني منها توازنات الدولة المتقتنية لتلك القطع من جهة، وتفقد جدواها العسكرية- الدفاعية أو الهجومية علي حد سواء- من جهة ثانية. القضية الثالثة هي، إننا نتحدث- مثلا- وعلي مستوي دول مجلس التعاون فقط، عن أمن مشترك، وعدو مشترك، فإلي أي مدي تأتي هذه الصفقات العسكرية منسجمة مع الاستراتيجية- الدفاعية والهجومية- لدول المجلس؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه اقتناء قطع متناثرة من المعدات والأعتدة الحربية، التي تضمن حضورا إعلاميا مزيفا أكثر منه نظاما عسكريا متطورا ومتناغما قادرا علي الدفاع عن البلاد عندما يحتاج الأمر إلي ذلك. القضية الرابعة لماذا تنفرد موازنات الأمن والتسلح، من دون غيرها بالسرية وعدم خضوعها لأي شكل من أشكال الرقابة الشعبية؟ فالدفاع عن الوطن مسئولية جماعية يتحملها كل مواطن، وبالتالي فمن الأهمية بمكان أن تخضع موازنات الأمن والتسلح لمستوي معين من الرقابة الشعبية، لضمان شفافية أوجه الصرف بشأنها، وللحيلولة من دون تجاوزها، في سلم الأولويات، بنود أخري، في أمس الحاجة إلي التمويل. ليس المقصود من إثارة هذه القضايا الوصول إلي استنتاج خاطئ مفاده التوقف عن بناء مؤسسة عسكرية متطورة قادرة علي الدفاع عن البلاد عند الحاجة لذلك، بقدر ما هي دعوة للتمعن في أوجه وسياسات الصرف عليها كي تأتي منسجمة مع استراتيجية صحيحة واضحة المعالم تخدم أول ما تخدم المواطن العربي الذي يتحمل كلفة وأعباء مثل تلك الاستراتيجية عند تصميمها ونقلها إلي حيز التنفيذ علي حد سواء.