لولا العيب لخرجت في الشوارع اصرخ: ياناس ياهوه هناك مساحة من الارض يجب ان توجد في كل مدينة نخصصها لما يسميه العالم المتقدم "قرية العلوم". ولكن مثل هذا الصراخ لا ينتمي الي اي حركة احتجاج من تلك التي قيل علنا وعملياً ان الشمطاء مادلين اولبريت تمولها، ولا تنتمي الي مطالب زيادة الاجور، ولا تنبع من دكاكين قهر العقول علي عدم التعلم، وهي دكاكين تصوير الاوراق بجانب الكليات المختلفة، ولا توزع علي الاجيال الشابة بطاقات تحمل ارقام تليفونات اساتذة الكورسات في كليات الهندسة والطب والصيدلية حيث يتقول سطور البطاقة "يمكنك ان تهضم امراض النساء في خمس جلسات وتهضم التشريح في عشر جلسات وتضمن الامتياز في الرسم الهندسي لطلبة كلية الهندسة في مدة شهر". وطبعا ستجد صاحب محل التصوير وهو يشتري المرسيدس الخنزيرة، وتجد مدرس التشريح وهو يشتري شقة معتبرة في التجمعات السكنية الجديدة ويا خراب مستقبل العلم في مصر المحروسة، حيث تمتلئ الشوارع بالمطبات كشهادة واضحة علي نسبة الفساد في المحليات المنوط بها مسئولية رصف الشوارع، وتزدهر الشوارع بغياب الارصفة تحت ضغط باعة الملابس المستعملة المستوردة، او باعة الكرفتات المصنوعة في الصين. وعلي الرغم مما يقال عنه كساد في حركة السوق "فإن الزحام في الشوارع للشراء والبيع لا لا ينتهي". ونطلق كملة "العلم" بحسرة، علي الرغم من أن أيا منا يصبح مضطرا لدفع مائتي جنيه ككشف للطبيب المحترم او دفع خمسمائة جنيه ثمنا لاشعة مقطعية او دفع ألف جنيه وخمسمائة من اجل ادخال الغاز الي الشقة التي تسكنها، او التوهان في الشوارع مع تنفس بخار الرصاص المتصاعد من عوادم السيارات وعدم وجود وسيلة مواصلات تليق بالكائن البشري الذي لا يملك سيارة، ويمكنك قياس عشرات الآلاف من الامثلة التي تحاصرك من كل جهة لتستنزفك دون ان تتذكر ان مفتاح الانسجام مع نفسك ومع المجتمع هو في كلمة واحدة "العلم". ومن المفيد تاريخيا ان نعلم حقيقة واضحة هي ان مكتبة الاسكندرية القديمة كانت بيت العلم في الكون كله، ومنها كانت تخرج النظريات التي يستخدمها علماء وصناع الكون في اعادة ترتيب حياتهم وتطويرها ومن المفيد في الوقت الحاضر ان تري مكتبة الاسكندرية كمنارة معاصرة تحاول زراعة المنهج العلمي في الحياة اليومية عند الكبار والصغار في وقت واحد وهي مهمة جسيمة وعويصة، خصوصا في مناخ مازال يسأل عن الابراج ويقصص ريش خياله وطموحه حسب ما تقوله ادوات النصب المعاصرة عن مواليد برج الجدي والحمل والجوزاء وكل هذا النصب الذي يجد بيئة صالحة في غياب الاخذ بالتفكير العلمي". أكتب كل ذلك لننتبه في التليفزيون والاذاعة والصحف بما تنظمه مكتبة الاسكندرية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم وتحت رعاية وزارة البترول في الفترة من 1 إلي 3 أبريل المقبل، احتفالية العلوم الثالثة العام الحالي وموضوعها هو "الطاقة" التي تمثل التحدي الاكثر الحاحا في القرن الحادي والعشرين. وتشرف علي الحفل المهندسة هدي الميقاتي مدير مركز القبة السماوية العلمي بالمكتبة، حيث يمكن تكريس وجود العلم في المجتمع ويعطي الجمهور من جميع الأعمار والخلفيات الثقافية فرصة للتساؤل والمناقشة والاستكشاف والمشاركة في الأنشطة المختلفة بمفردهم أو برفقة العائلة والأصدقاء. وسيقام الحفل ب"قرية العلوم" التي تستضيف مجموعة متنوعة من العروض التفاعلية، منها: عرض "عجائب العلوم"، ويمكن للحضور سماع المحاضرات والاستمتاع بالعروض التكنولوجية.. ويا صديقي إسماعيل سراج الدين أرجو أن تدعو كبار رجال الدولة جميعهم لحضور هذا الاحتفال وقضاء هذا اليوم مع أفكار الأمل في الوصول إلي عقلية علمية يمكن أن تزيح من حياتنا جبال الجهل والفساد وقلة القيمة.