في خضم الأزمة المالية العالمية الجميع يسأل متي يتعافي الاقتصاد.. إلا أن اقتصادي محنك كالدكتور جيفري ساكس جاء إلي القاهرة الأسبوع الماضي ليتحدث عن أزمات أخري خارج نطاق أسواق المال والمؤسسات المصرفية.. إنها أزمات تهدد استدامة الأرض وبقاء البشر.. كان ذلك في إحدي قاعات المقر الجديد للجامعة الأمريكية ب "القاهرةالجديدة" حيث كرر ساكس تعليقه بأن "القاهرة مدينة مزدحمة للغاية" في إشارة إلي التحدي الذي يواجه مصر والعالم في زيادة عدد السكان ونقص الموارد وهو الموضوع الرئيسي الذي اختاره لندوته المنعقدة في إطار النشاطات المقامة بمناسبة افتتاح المقر الجديد للجامعة الأمريكية. وحاول ساكس في كلمته أن يوسع من إطار النظرة الضيقة لتطورات الاقتصاد العالمي خلال العقود الماضية ليلقي نظرة عابرة علي التاريخ الحديث خلص منها بأن التغير المناخي الذي يهدد العالم بكوارث طبيعية عدة بدأ مع الثورة الصناعية في أوروبا، لذا فالنموذج التكنولوجي الحالي "غير صالح" علي الرغم من الايجابيات التي حققها إلا أننا في حاجة إلي تغييره. والتغيير الذي دي له ساكس لا يقتصر فقط علي الصناعة ولكن علي رؤية الساسة والرأي العام الغربي لمناطق التوتر في العالم، فساكس حاول أن يقدم رؤية جديدة عن التوتر في دار فور مثلا باعتبارها واحدة من "أكثر المناطق فقرا في العالم" وقال ساكس إن الرأي العام الأمريكي لا يزال يري أن القوة وليس التنمية هي الطريقة المثلي لتسوية المشاكل العالمية. وحاول ساكس أن يصيغ رسالته بلغة الأرقام المحايدة علي الدوام، قائلا إن عدد سكان العالم وصل إلي 6،7 مليار نسمة 5 مليارات فقط هم الذي يتمكنون من الحصول علي الغذاء الكافي والباقون يكافحون من أجل الغذاء، كما يتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلي 8 أو 9 مليارات نسمة في المستقبل. "الأسبوعي" حضر ندوة جيفري ساكس وأجري حوارا سريعا معه دار حول تحديات الاقتصاد المصري والعالمي في الفترة المقبلة.. وهذه هي تفاصيل الحوار: * كيف تري مستقبل الأزمة المالية.. هل هي علي طريق الإنفراج أم أن الأمور تزداد تعقيدا؟ ** هناك خطط للإنقاذ علي المدي القصير ولكننا نحتاج أيضا لخطة لمواجهة العجز الكبير القادم في الطريق لذلك نحن نحتاج إلي خطة مالية متوسطة المدي لا تختص بكيفية تنشيط الاقتصاد هذا العام ولكن كيف سنواجه العجز فيما بعد ذلك، وأعتقد أن السبيل لمواجهة ذلك هو زيادة الضرائب أعرف بالطبع أن هذه الفكرة ليس لها شعبية في أمريكا ولكنها الحل الواقعي في ظل نفقات للموازنة التي نحتاجها. التعافي.. متي؟ * إذن فالوضع لن يستقر هذا العام؟ ** اعتقد أن تعافي الاقتصاد سيكون في عام ،2010 فلدينا في أمريكا بعض عوامل استمرار عدم التوازن لفترة مقبلة، لذلك لا أعتقد أن الاقتصاد الأمريكي سيعود إلي حالة الإنطلاق التي كان عليها في السنوات الأخيرة خلال فترة قريبة. * مصر كالعديد من الدول النامية تضررت من الأزمة المالية علي الرغم أنها لم تستثمر في أدوات الرهن العقاري.. فكيف نحقق نموا مستداما في ظل الظروف الحالية؟ ** لحسن الحظ إن مصر لا تُواجه الأزمة المالية وهي تتمتع باقتصاد قوي حيث حققت معدلات نمو مرتفعة في السنوات الثلاث الأخيرة ولديها احتياطي من النقد الأجنبي مرتفع ووضع قطاعها المالي جيد للغاية لذا فمصر ستنجو من الأزمة المالية، ولكنها ستواجه تحديا في مجال تباطؤ أسواق التصدير لذا فعليها أن تبحث عن أسواق تصديرية جديدة ومصادر جديدة للدخل وفرص العمل، ومن الممكن تحقيق ذلك من خلال إقامة المشروعات العامة إما من خلال الانفاق من الموازنة أو عن طريق انفاق من خارج الموازنة كالتمويل الدولي لهذه المشروعات في مجال مشروعات كالمياه والنقل أيضا الطاقة الشمسية التي لها مستقبل جيد في مصر في رأيي. * ولكن كل هذه المشكلات كانت بسبب انفتاحنا الاقتصادي علي الخارج.. أليس من الأفضل أن نعيدالتفكير في "العولمة" لأن الدول التي انغلقت كانت الأقل تضررا؟ ** العولمة مطلوبة في كل وقت ومصر قامت بدور مهم في السنوات السابقة في تقليل تدخل الحكومة في الاقتصاد.. وبالطبع انفتاح العالم جعل جميع الدول تستشعر بالأزمة المالية ولكن من الممكن أن نعتبر أن الازمة فرصة لإعادة تعديل التوجهات الاقتصادية، فعلي سبيل المثال مصر كانت طول السنوات السابقة مهتمة بالاقتصاد الأمريكي والأوروبي كأسواق لمنتجاتها فمن الممكن أن تكون الأزمة الحالية فرصة لمصرللتوجه بشكل أكبر لسوق جنوب شرق آسيا من خلال إقامة مشروعات مشتركة فهو ينمو بسرعة كبيرة، وأنا أعلم بالطبع أن هناك مشروعات مشتركة بين مصر ودول آسيوية كالصين ولكن من الممكن أن تكون الفترة الحالية فرصة للتوجه بقوة أكبر لهذه المنطقة، أما عن رفض فكرة العولمة في حد ذاتها فإذا قامت كل دولة بذلك وانغلقت علي نفسها من الممكن أن يدخل العالم في أزمة اقتصادية عميقة. الطبقة الوسطي * حققنا في مصر معدلات نمو مرتفعة في السنوات الأخيرة.. ولكن واكب ذلك أيضا تآكل الطبقة الوسطي.. هل من الممكن أن تحدث تنمية في مصر مع تآكل الطبقة الوسطي؟ ** هذه مسألة لا تحتاج إلي سؤال، فالتنمية يجب أن تشمل كل المجتمع وليس طبقة واحدة.. وهذه واحدة من المشكلات التي نواجهها في الولاياتالمتحدة حيث إن فوائد النمو تصل إلي قمة المجتمع وليس إلي الطبقات السفلي منه، وهذه المشكلة تؤثر علي المجالين السياسي والاقتصادي، حيث إن الديون المتعثرة في الولاياتالمتحدة اتت من الطبقة العاملة التي لم تكن تتقاضي أجورا تكفيها لتحمل تكاليف هذه الديون. لذا فالتنمية عليمستوي المجتمع ككل أمر بالغ الأهمية ويجب أن تصمم الاستراتيجيات الاقتصادية ليس علي أساس الاهتمام بنمو الناتج الإجمالي فقط ولكن علي أساس توزيعه علي المجتمع أيضا.. بحيث يكون هناك ضمان علي أن كل فرد في المجتمع يتمتع بالخدمات الاساسية كالصحة والتعليم والمياه والطاقة والنقل وغيرها. وفي بلد كمصر هناك حاجة لمواجهة احتياجاتها التنموية من خلال الاعتماد علي التكنولوجيات الابتكارية، فكما قلت لك مصر في حاجة كبيرة إلي الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية في ظل هذه المساحات الكبيرة من الصحاري التي تتمتع بمصدر ضخم لهذه الطاقة، علاوة علي أن تكون هناك استثمارات ضخمة في الطاقة الشمسية في ظل الاهتمام الدولي بتقليل التغير المناخي والاستدامة البيئية ومن الممكن أن تلعب مصر دورا مهما في هذا المجال من خلال ما تتمتع به من امكانيات وقدرتها علي عمل الشراكات في هذا الاستثمار.