يموت ألف طفل هندي يوميا بسبب أمراض الإسهال وتلك هي دون شك الثمرة المرة لنسبة التلوث العالية التي تعاني منها الهند، وعلي سبيل المثال فإن نهر الجانج المقدس لدي الهندوس تبلغ نسبة التلوث به عند مدخله من ناحية مدينة فارانازي 120 مرة ضعف المستوي الآمن للاستحمام أما في المنطقة التي يستحم فيها الحجاج علي بعد أربعة كيلو مترات من هذا المدخل فإن نسبة التلوث فيها 3 آلاف ضعف المستوي الآمن، وهذا كما تقول مجلة "الأيكونوميست" ليس سوي مجرد الجزء الظاهر من مشكلة تداعي البنية الأساسية التي تعاني منها الهند في مختلف المجالات. ففي مجال الصرف الصحي يذكر أحد التقديرات أن 13% فقط من مياه الصرف التي ينتجها 1.1 مليار نسمة هي التي تتم معالجتها وأن هناك 700 مليون هندي ليس لديهم مرحاض مناسب وأن هذا في ذاته جزء من أسباب إصابة اأطفال الهند بأعراض سوء التغذية وعموما فإن هناك اعترافا محليا ودوليا بأن اهتراء البنية الأساسية هي أهم نقطة ضعف في الاقتصاد الهندي. وخلال العامين الأخيرين زادت هذه المشكلة الحاحاً فالمواني والطرق والسكك الحديدية والمطارات في الهند تعمل ربما بأكثر من طاقتها القصوي علي الاستيعاب وإذا كان تفريغ أية حمولة مستوردة لا يستغرق سوي 3 أيام في سنغافورة فإن تفريغ نفس الحمولة في الهند يستغرق 21 يوما كذلك فإن ميناء سنغافورة يمكنه التعامل مع 40 سفينة يوميا بينما ميناء نهرو الميناء الرئيسي في مومباي والذي يستوعب 60% من حركة الحاويات في الهند لايمكنه التعامل إلا مع 9 سفن فقط يوميا وفي حين يزيد عدد المسافرين بالطائرات في الهند بنسبة 30% سنويا خلال العامين الأخيرين فإن مطاراتها الأربعة الرئيسية صارت تنوء بهذا العبء. وقد يكون صحيحا أن شبكة الطرق البرية الهندية البالغة أطوالها 3.3 مليون كيلو متر هي ثاني أكبر شبكة في العالم ولكن معظم هذه الطرق في حالة يرثي لها، أما الطرق السريعة الأفضل حالاً فإنها لا تمثل سوي 2% من جملة أطوال هذه الشبكة والمزدوج من تلك الطرق السريعة لا يزيد علي 12% أو نحو 8 آلاف كيلو متر فقط وعند نهاية عام 2007 كان إجمالي الطرق السريعة في الهند يناهز 53.6 ألف كيلو متر كل منها مكون من أربع حارات أو أكثر كذلك فإن الطرق داخل المدن شديدة الازدحام حتي ان السرعة داخل مدينة دلهي قد هبطت من 27 كيلو متر ساعة عام 1997 ليصبح الآن 10 كيلو مترات/ ساعة فقط وفي العام 2007 بلغ عدد ضحايا حوادث الطرق 130 ألف نسمة بزيادة 60% علي عدد الضحايا المماثلين في الصين الي تزيد أعداد العربات المتحركة علي طرقها بنسبة 400% عما هو في الهند. وفي مجال الطاقة هناك أيضا مشكلة فالطلب علي الكهرباء في الهند زاد في 2007 بنسبة 15% عما هو متاح منها وأصبح انقطاع التيار مشكلة شائعة حتي في المدن الصناعية وهنا تقول أرقام البنك الدولي أن الهند تخسر سنويا 9% من جملة انتاجها الصناعي المحتمل بسبب نقص الكهرباء، كما أن هناك نحو 600 مليون مواطن لم يدخلوا بعد كليا عصر استخدام الكهرباء. وإدراكا من الحكومة الهندية لخطورة النقص الشديد في البنية الأساسية قررت رغم معارضة الشيوعيين إشراك القطاع الخاص في إقامة مشروعات الطرق والمطارات وفي العام الماضي أصبح لدي كل حيدر أباد وبنجالور مطار جديد وبحلول عام 2010 سيتم الانتهاء من تحديث المطارات الرئيسية في مومياي ودلهي كذلك أطلقت الحكومة خطة لبناء 1500 كيلو متر من الطرق والسكك الحديدية لربط دلهي وموباي وما حولهما من مناطق صناعية وتتكلف هذه الخطة 100 مليار دولار وتنتهي عام 2013 ولكن هذا كله لا يكفي، فالمتوقع أن يتضاعف عدد سكان المدن في الهند خلال العشرين سنة القادمة ليصبح 575 مليون نسمة رغم أن مدتها القائمة تختنق حاليا بما فيها من كثافة سكانية عالية فمدينة مومباي أكبر مدن جنوب آسيا تضم 17 مليون نسمة نصفهم يعيشون في عشوائيات. وتقول مجلة "الأيكونوميست" إن هناك سببين أساسيين لهذا العجز أولهما هو القيود الثقيلة المقروضة علي الأراضي والإيجارات في مومباي والثاني هو نقص الاستثمارات الحكومية في هذه المدينة المهمة حيث تفضل الحكومة توجيه هذه الاستثمارات إلي الفقراء في ريف الولاية لضمان الفوز بأصواتهم في أية انتخابات وتقول الأرقام إن الريف هناك استولي علي 60 مليار دولار كان مقترحا أن يتم استثمارها في مومباي لتحسين الطرق والسكك الحديدية والمترو. وعموما فإن الحكومة الهندية تخطط لمضاعفة الاستثمار في مشروعات البنية الأساسية وأنها تنوي استثمار 475 مليار دولار في هذا المجال خلال السنوات الخمس القادمة حتي 2013 أو نحو 8% من إجمالي الناتج المحلي سنويا ولكن الأزمة الاقتصادية خفضت هذه النسبة في عام 2008 لتصبح 4.6% فقط من إجمالي الناتج المحلي وليس واضحا كيف ستمول الحكومة الهندية هذه الخطة في السنوات القادمة ولكن الحكومة تتوقع إسهام القطاع الخاص بنحو 75% من الزيادة المخططة في الاستثمارات وبنحو 40% من إجمالي الانفاق علي الخطة المذكورة. وعموما فإن ما ينطبق علي الطرق والنقل والمواصلات والكهرباء والصرف الصحي ينطبق أيضا علي البنية الأساسية الفقيرة في مجال التعليم فارقام البنك الدولي تؤكد أن نسبة الأمية في الهند لا تزال 35% في حين أن هذه النسبة لا تتجاوز 10% في الصين ورغم أن الحكومة تركز علي التعليم الأساسي منذ عشرين سنة فإن نوعية التعليم لا تزال رؤيته ولا يزال نصف أطفال المدارس تحت سن العاشرة عاجزين عن القراءة الصحيحة وهذا يرجع إلي أن 50% من معلمي المدارس غير مؤهلين جيداً للتدريس كما أن نصف أطفال الهند يتركون التعليم في سن الرابعة عشرة ويذهبون إلي سوق العمل وعموما فإن نظام التعليم الهندي كله من أسفله إلي أعلاه في الجامعات يحتاج إلي تطوير.