كان الأب جالسا نصف نائم علي كرسيه، وفي الخلفية ابنه الصغير يحاول متسللا المرور دون أن يراه الأب. وفجأة تخرج من الأب صيحة مجلجلة: "ميييمي" ويقترب الابن وهو يرتعد من أبيه، الذي يبدأ في تفتيشه كما لو كان حرامي غسيل، أو نشال محافظ في الاتوبيس، أو حتي تاجر مخدرات. والابن لا يعرف كيف يتصرف، حتي يعثر الاب علي مبتغاه. وتبين لنا في النهاية ان الابن يحاول الحصول علي أحد منتجات الألبان التي يحرص الأب علي ان يأكلها كلها، حارما ابنه الصغير منها. هذا هو الإعلان الذي نشاهده ونراه كثيرا علي مختلف محطات التليفزيون وما يعنيني هنا، هو أي رسالة أخلاقية يقدمها هذا الإعلان؟ أي علاقة بين أب وابنه، تروج لها هذه الحملة الإعلانية التي اعتقد ان الغرض منها هو اظهار أهمية المنتج بالنسبة للعائلة. لكن في نفس الوقت فانها -أي الحملة- تهدم قيمة، علاقة الحنو بين الأب وابنه، وتؤسس لشكل آخر فيه من الخوف، والتنافس، والانانية اكثر مما فيه من الحب والتفاني، والايثار. في نفس السياق الإعلاني، حملة أخري عن مشروب شعير أي "بيرة" خالية من الكحول، وشعارها "استرجل"؛ أي أن الشاب الذي لا يتناول هذا المشروب يكون مشكوكا في رجولته وهو بالتعبير العامي "شاب فافي" تندر به اصدقاؤه. هل هذا المشروب هو رمز "الرجولة"؟ وهل أي مشروب يمكن ان يكون رمزا للرجولة؟ وإذا كان الأمر كذلك، وفي ظل اوضاع نعرفها جميعا من انتشار المخدرات، أو حتي الخمور، ألا يصبح هذا الشاب أكثر رجولة في نظر اصدقائه، إذا ما تناول بيرة بها كحول؟! وفي ظل انتشار المخدرات بين الشباب طبقا لدراسات منشورة بنسب مذهلة يكون هذا الشاب أكثر رجولة حين يدخن سيجارة حشيش، وليبدأ، تحت شعار الرجولة في ركوب الزحليقة"، هابطا نحو انواع اخري ليتحول بعدها شبابنا إلي هياكل ورقية فاقدة العقل والإرادة. يا سادة.. إن للرجولة معاني كثيرة ليس من بينها ان ترتبط بمشروب أو منتج وأنا هنا ليس لدي أي اعتراض علي المنتجات ذاتها ولكن علينا ونحن نروج للمنتجات إعلانيا، ان نضع في حسباننا القيم الأساسية التي تزعزت بالفعل، وصفحة الحوادث، وشوارع مصر والعلاقة بين الاباء والابناء، وشكل شبابنا شاهد علي ذلك ولا يحتاج الأمر إلي دليل أو اثبات. وإذا مررنا الخط علي استقامته، فإن ميمي الخائف المرتعب من أبيه الاناني، لابد في محطة ما من حياته ان يسترجل ويثبت لواضعي هذه الحملات الإعلانية انه أكثر رجولة مما يظنون، والدليل علي ذلك مراكز علاج الادمان.