تعتبر النزاعات المصرفية بين البنوك وبعضها البعض من أبرز ما يؤرق القطاع المصرفي لما يمثله تداول هذه القضايا في المحاكم من إساءة لصورة القطاع المصرفي وذلك علي الرغم من توجيهات البنك المركزي واتحاد البنوك لنزع فتيل أي نزاعات مصرفية قد تلوح بوادرها في الأفق قبل وصولها إلي ساحات القضاء وعلي الرغم من البادرة غير المسبوقة التي حققها البنك الأهلي منذ أيام في حل خلافه مع بنك التمويل المصري السعودي من خلال مفاوضات مثمرة انتهت بقبول الطرفين لتسوية ودية لصالح المؤسستين بناء عليها تنازل كل من البنكين عن جميع القضايا المقامة والمتداولة أمام القضاء. إلا أن الخبراء من جانبهم أكدوا "للأسبوعي" ضرورة تطوير المنظومة القانونية التي تدير الأعمال المصرفية من خلال إرساء دعائم ترتكز عليها هذه المنظومة خلال الفترة القادمة وجعل ساحات القضاء هي الخيار الأخير داعين إلي ضرورة الاستفادة من العولمة القانونية في أوروبا والتي جعلت من التحكيم أساسا لفض المنازعات ولم تعد هناك قضية مصرفية تتداول في المحاكم هناك. وبالتفتيش في ملفات النزاعات المصرفية نجد أن أطول نزاع مالي شهدته ساحات المحاكم كان بين المصرف المركزي الليبي والبنك المركزي المصري وأطراف أخري مصرية وليبية وكان النزاع قد بدأ منذ عام ،1983 ويدور حول مستحقات لليبيا بقيمة 5.275 مليون دولار بأسعار عام ،1999 وأقرت محكمة الاستئناف بالتسوية المعقودة بين الجانبين، وفق اتفاق صلح تم عام 1999 برعاية رئيسي وزراء البلدين ووزيري ماليتيهما ومحافظي البنكين المركزيين في ذلك الوقت وتقضي التسوية بأن يتنازل كل طرف عن الدعاوي القضائية ضد الطرف الآخر وأن يتنازل الجانب الليبي عن المبلغ المستحق له والمشار إليه لمشروع توشكي، في مقابل أن تطالب عشر شركات مصرية وثلاثة بنوك لها مستحقات لدي ليبيا تبلغ 45 مليون دينار ليبي و50 مليون دولار أمريكي وستة ملايين جنيه مصري، تطالب البنك المركزي المصري بسداد هذه المستحقات، ورفضت المحكمة تدخل الشركات المصرية ومعها البنوك الثلاثة في الدعوة بين البنكين المركزيين. سيتي بنك والأهلي وتعتبر قضية الاستعلام الائتماني بين سيتي بنك والبنك الأهلي من أشهر القضايا حيث نشب خلاف الاستعلام بين البنكين نتيجة عدم استجابة سيتي بنك لطلبات استعلام من بعض فروع الأهلي التي حصلت علي تفويضات من عملائها، المطلوب الاستعلام عنهم طرف بنك سيتي، بما لا يخل بقانون سرية الحسابات. وامتدت عدم استجابة بنك سيتي علي مدار عام كامل، تخللته إضافة إلي القنوات المصرفية التقليدية، استخدام قناة الاتصالات الشخصية بين تنفيذيين بفروع بالبنك الأهلي منناحية وتنفيذيين بإدارة الاستعلام المركزية بذات البنك عن عملاء يرغبون في الحصول علي تسهيلات ائتمانية، دافع بنك سيتي بأن طلبات الاستعلام التي يتلقاها من بنوك بدون توقيع أو أن اسم الموقع غير واضح. كما أن إدارات الاستعلام في معظم البنوك لديها الاستقلالية الكاملة، يتم من خلال العلاقات الشخصية بين تنفيذيين من بنك سيتي وبنوك أخري عبر الاتصال التليفوني والاستعلام وتبادل المعلومات الصريحة منها. نظام التوفيق من جانبه أكد علي فايز مدير عام اتحاد البنوك علي أهمية اللجوء لنظام التوفيق بالاتحاد لفض المنازعات بالطرق الودية بين البنوك قبل اللجوء إلي القضاء في إطار الحرص علي السمعة الجيدة لوحدات الجهاز المصرفي مشيرا إلي أن الاتحاد يحرص دوما علي احتواء أي خلافات بين البنوك ورأب الصدع في العلاقات بين البنوك قبل تفاقم الأمر ووصوله إلي المحكمة وهو دور تاريخي له. وتلتقط أطراف الحديث الدكتورة سميحة القليوبي أستاذ القانون التجاري وخبير التحكيم في النزاعات المصرفية وتضرب مثلا بما تم بين بنكي التمويل السعودي والبنك الأهلي حيث تراه إجراء متبعا منذ عدد كبير من السنوات في ظل إجراءات القطاع المصرفي التي يحرص من خلالها ألاَّ تخرج الخلافات المصرفية إلي ساحات المحاكم وذلك حفاظا علي سمعة البنوك وسرية التعاملات بينها وبين العملاء. واعتبرت د. سميحة أن التحكيم دون اللجوء إلي القضاء يساعد في إنهاء المنازعات بسرعة وبما لا يعطل مسيرة البنوك نظرا لطول إجراءات التقاضي والتي ينجم عنها في كثير من الأحيان تأخير يعطل حقوق الطرفين. أشارت إلي أنه علي سبيل المثال بنك فيصل الإسلامي كان ومنذ إنشائه يشترط في تعاملاته مع العملاء أن يكون التحكيم أساسي لفض أي نزاع بينه وبين العملاء إلا أن أحد العملاء قام برفع دعوي أمام إحدي المحاكم معتبرا أنه ليس من حق البنك فرض التحكيم علي العميل وحكمت المحكمة في وقتها بعدم دستورية فرض التحكيم علي العملاء إلا بموافقة الطرفين.