ليس من السهل علي الكاتب المستقل أن يعثر علي وزير أوعمل في مصر المحروسة ليوجه له الشكر، فالسيئات تغمرنا وتحيطنا وتكاد تسرق منا نفس الهواء الذي نتنفسه، خصوصا لأن المسافة تتسع بين ما نقرؤه من كلمات إشادة عمال علي بطال بكل فعل تقوم به الحكومة، أو نقرأ كلمات تضج بالأنين من فرط إهمال العديد من المسئولين لمشكلاتنا، مثل مشكلة النظافة - مثلا- التي يهملها المحافظون، أو بالتحديد لا يستطيعون أخذ حق من شركات النظافة. ولكن الحال يختلف مع وزير من الفريق أحمد شفيق وزير الطيران الذي عرفته مؤخرا من خلال أسلوب إدارته. ولتقرأوا حكاية هذا اللقاء من أولها، فقد دعاني صديقي د. فؤاد بشاي لزيارة الولاياتالمتحدة كي يدبر لي أمر فحوص شاملة ومجانية عبر مشاركته في ملكية وإدارة عدد من المستشفيات، ولما كانت معرفتنا تمتد لأكثر من أربعين عاما، كان من السهل أن أقطع تذكرة وأسافر، وكانت أرخص تذكرة هي تذكرة مصر للطيران. وطبعا كان من السهل أن أكتب رجاء للوزير كي يقوم مكتبه بترقية تذكرتي إلي الدرجة الأعلي لأن ظروفي الصحية صعبة، وسبق أن فعلت ذلك من أجل صديق لي، وكانت الاستجابة فورية، ولكني خجلت أن أطلب الأمر لنفسي. وسافرت علي الطائرة، لأصل في الميعاد، والتحقت بالطائرة الداخلية التي ستحملني إلي مطار تامبا بفلوريدا. وسار الأمر طيبا. إلا أن رحلة الطيران الداخلية من مطار تامبا بفلوريدا إلي مطار نيويورك كانت أقل ما توصف به أنها رحلة متوحشة، فالطائرة صغيرة مليئة بتوتر الأمريكيين من فساد حياتهم وإحساس كل منهم أنه مسروق من قبل حكومة بوش، ووصلت قبل ميعاد قيام طائرة مصر للطيران بنصف ساعة فقط، لنجد نحن المصريين مدير محطة مصر للطيران في انتظارنا ليطمئننا علي أن حقائبنا في الحفظ والصون، وأنه سيتابع رحلتها من نيويورك إلي القاهرة. وطبعا لعب الفأر في الصدر، وحاول طاقم الطائرة التخفيف عن خمسة ركاب اعترضوا كانوا قدامين من تامبا. وما أن وصلنا إلي مطار القاهرة حتي وجدنا مندوبا من مكتب الحقائب المتأخرة ينتظرنا ليأخذ أرقام الحقائب ويحرر محضرا بتلك الأرقام، واستمرت رحلة المتابعة ليومين. فالطائرة القادمة من تامبا أنزلت الحقائب في نيويورك، ومصر للطيران رغبة منها في سرعة وصول الحقائب أرسلتها عبر شركة إيرفرانس، ولكن مطار باريس ركن الحقائب يومين، ثم أرسل مكتب الحقائب المتأخرة رسائل عبر الإنترنت والفاكس لمطار باريس، وعادت الحقائب. كل ذلك مكتب المفقودات يتصل بك كل خمس ساعات بأدب ورقة يصعب أن تصدق أنها تصدر في مصر المحروسة، حيث الزهق علي رقاب العباد. وحين ذهبت أتسلم حقائبي قلت لمجموعة الشباب الذين استقبلوني "من المؤكد أن عندكم نفس الهموم التي عند عموم المصريين، ولكنكم تقومون بعملكم وكأنكم عشاق للعمل"، بأدب شديد قالوا "هذا عملنا". ويا سيادة الفريق أحمد شفيق أشكر لك هذا الفريق المتجانس الذي يعمل معك بداية من مكتب مصر للطيران بنيويورك بقيادة حسام شاكر. ونهاية بمجموعة شباب خدمة الأمتعة أشرف سمير الذي حرر لي محضر تأخر الحقائب، وأحمد نبيل مساعد مدير الإدارة، ووائل غريب رئيس الفترة، وأشرف رجائي وهاني سالم، إن أقل ما توصف به هذه المجموعة هو أنهم علي خلق رفيع. وهم جميعا يمثلون باقة أمل مصرية. أشكرك عليهم، وأشكر لهم حسن سفارتهم عن وزارتك.