من أقسي ما تراه العين في الولاياتالمتحدة هو دموع الندم علي الهجرة، وهي تطل من عيون العديد من المصريين واللبنانيين الذين هاجروا بحثا عن العيش الآمن مع تكافؤ الفرص. وعلي الرغم مما حققه المهاجرون الذين وصلوا في الستينيات وأوائل السبعينيات إلا أن من هاجروا من بعد ذلك وجدوا حالة من الترصد لهم، ليس لأن الأمريكيين متعصبون فقط ضد الغرباء، ولكن لأن نوعيات الأعمال المعروضة عليهم لا تتناسب مع ما كانوا يعملونه في بلادهم، فمن كان يعمل أستاذا في كلية الطب علي سبيل المثال صار مجرد مندوب دعاية لشركات الدواء، والمحاسبة التي كانت تدير حسابات شركة قطاع عام ويهتز لخطواتها جدران المبني الذي كانت تعمل به، لأنها حاصلة علي درجة الماجستير من جامعة أمريكية، هذه المحاسبة صار عليها أن تبدأ كبائعة في محل ملابس شهير، وعليها أن تلاطف الزبائن، وأن تركب سيارة كاديلاك تم إنتاجها من عشر سنوات، وتحتاج خلفها إلي مبالغ لا بأس بها من أجل البنزين، وعليها فوق ذلك مساعدة الزوج في تكلفة تعليم الأولاد الذين تركوا هندسة القاهرة كي يتعلموا بالولاياتالمتحدة. وطبعا كانت موجة توفير الموظفين قد شملت مديرة الحسابات السابقة، وعلي وشك أن تصل إلي أستاذ طب الأطفال الذي هاجر إلي الولاياتالمتحدة، ولم يجد عملا سوي الترويج لشركات الدواء. ورأيت رؤي العين كيف يتواجد عشرات اللبنانيين الذين يعملون عند لبناني واحد في صناعة الأطعمة الشرقية، فها هي محامية كانت ناجحة في بيروت وها هي تعمل في صناعة البسطرمة، وآخر كان مديرا لشركة نقل صغيرة وهو يقود شاحنة صغيرة عند اللبناني المذكور.. والهدف أولا وأخيرا هو لقمة العيش والحياة في خوف مضاعف أكبر من خوف الطائفية الذي غمر العديد من أهالي لبنان في السنوات السابقة. أما عن تزاحم أبناء المكسيك الهاربين من تحت الأسلاك الشائكة، فيعملون في مهن غاية في الغرابة، كأن يستأجر من يملك حق الإقامة بدنفر سيارة نصف نقل ويدور علي الشركات والمصانع ويطلب تنظيف سيارة أي موظف يطلب ذلك مقابل عشرة دولارات، وما إن يجمع عددا من طلبات تنظيف السيارات حتي ينزل من السيارة نصف النقل التي يمتلكها خمسة من أهالي المكسيك الذين يبدأون في تنظيف السيارات. وبالبحث يمكنك أن تعرف أن العمال الذين يعملون مع صاحب العمل هذا يأخذون الأجر مجرد المبيت وأجر الطعام، لعل وعيسي يستطيع واحد منهم العثور علي عمل أفضل. ويمكننا أن نقول عن المهاجرين إلي الولاياتالمتحدة من غير العلماء هم الباحثون عن الكرب اللامع، فالشوارع نظيفة والبيوت نظيفة، ولكن الجوع الحقيقي سيف موجود علي رقبة من لا تستطيع الولاياتالمتحدة الاستفادة منه كثيرا. أرجوك لا تفكر في الهجرة ما لم تكن عالما في الكيمياء أو الفيزياء أو الرياضيات، فهذا هو طريق الدخل الذي يعطيك حق الاستمتاع بما تنتجه أمريكا من رفاهية صارت صعبة حتي بالنسبة لسكانها وأهاليها.