أثار إعلان عدد من المؤسسات الاقتصادية الدولية والدول الغربية تجميد مساعداتها وقروضها لموريتانيا إثر الانقلاب الذي أطاح بنظامها السابق مخاوف شعبية من تراجع الأداء الاقتصادي والمستوي المعيشي، في دولة تستورد أكثر من 70% من حاجاتها الغذائية من خارجها، ويعيش أكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر، حسب الأرقام الرسمية. لكن الجهات الرسمية بادرت مع ذلك إلي بث "التطمينات" وأبدت قدرا كبيرا من التفاؤل إزاء الأوضاع الاقتصادية للبلاد. كان البنك الدولي أول مؤسسة دولية أعلنت تجميد المساعدات لموريتانيا، ويقدر سقف تدخل البنك الدولي بنحو 413 مليون دولار تتوزع علي 17 مشروعا من المفترض أن ينتهي تنفيذ آخرها في العام ،2012 وتتركز أغلبها في ميادين تنمية الأرياف والبيئة والصحة والتعليم والمياه وشق الطرق وإصلاح وتطوير الإدارة. وقبل البنك الدولي أعلنت الولاياتالمتحدة عن تجميد مساعدات تقدر ب 25 مليون دولار. وقال تود موس نائب مساعدة وزير الخارجية الأمريكية الذي ترأس بعثة أمريكية زارت موريتانيا مؤخرا إن نواكشوط ستحرم أيضا من مشاريع كانت ستنطلق حديثا، وكان من المفترض أن تجلب عشرات ملايين الدولارات. كما لوح الاتحاد الأوروبي باتخاذ نفس الخطوات، بما في ذلك تجميد اتفاقية الصيد مع موريتانيا التي تدخل عائدات إلي موريتانيا تتخطي ال 200 مليون يورو. أثارت هذه المواقف مخاوف كثيرة في الشارع الموريتاني من اتجاه البلد نحو حالة من التأزم الاقتصادي، وهو الذي عاني في الأشهر الأخيرة من وطأة غلاء دفعت المواطنين إلي تنظيم تظاهرات عمت أغلب أنحاء البلد وأسفرت عن سقوط قتيل وعشرات الجرحي. وكان مدير برنامج الغذاء العالمي في موريتانيا جيان كارلو سيري توقع في مارس الماضي أن يشهد العام الحالي أزمة غذائية حادة وخطيرة. وحذرت دراسة قام بها خبراء غذاء من أن 15% من الأسر الموريتانية لن تحصل علي كمية كافية من الغذاء طيلة العام 2008. بيد أن السلطة الحاكمة اليوم لا تري في الأمر ما يثير تلك المخاوف، إذ أكد وزير الاقتصاد الموريتاني سيدي ولد التاه بأن موريتانيا لم تتلق أي إشعار من أي جهة كانت بوقف أو تعليق مساعداتها. وقال ولد التاه إنه حتي إذا أوقفت تلك الجهات تعاونها الاقتصادي فلن يكون ذلك شاملا، لأن أي تعاون غالبا ما يكون من شقين تجاري وتنموي. وأضاف أنه إذا جري توقيف الشق التنموي فإن الجزء التجاري لن يتوقف لأن الطرف الآخر يفيد منه أيضا كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي توقع ولد التاه ألا يقدم علي تجميد اتفاقية الصيد معه لأنه المستفيد الأول منها. أما الشق التنموي فيعتقد ولد التاه أن بإمكان بلده أن يتغلب علي أي نقص في التمويل من خلال تسريع وتيرة تنفيذ مشاريع ممولة من جهات ليست لها أجندة سياسية كما هو حال صناديق القرض العربية، والمشاريع الممولة من الصين، وهي مشاريع في عمومها تغطي ما يزيد علي 80% من التدفقات المالية المتوقعة حتي العام 2011. وخلص الوزير إلي أن العبرة ليست في وفرة الموارد بقدر ما هي في الترشيد وحسن التدبير وهذا ما ستتجه إليه حكومته في فترتها القادمة، حيث "سنكافح الرشوة والفساد بلا هوادة" و"سنستغل ثرواتنا ونصرفها لخدمة الشعب بعيدا عن نزوات الحكام". وتفاؤل ولد التاه ليس في محله بالنسبة للخبير الاقتصادي ووزير الاقتصاد الموريتاني السابق أسلمو ولد عبدالقادر الذي شدد في حديث علي جدية تلك المخاوف الشعبية، وخطورة التهديدات التي تلوح بها أطراف غربية علي الاقتصاد الموريتاني الضعيف أصلا. وأعطي ولد عبدالقادر مثالا علي ذلك بميزانية الاستثمار التي يقول إن 55% منها تأتي من ممولين أجانب، وأضاف أن المشكلة في الخطوات السلبية التي يتخذها البنك الدولي تتمثل في أن عددا كبيرا من الممولين يشاطرونه التوجهات غالبا ويتخذون نفس الإجراءات التي يتخذ ضد أي دولة. ورفض أن يكون بإمكان موريتانيا اليوم أن تستغني عن تلك الحصص التمويلية لأن "العادات الاستهلاكية وعلاقة الدولة مع رجال الأعمال وأنماط التسيير" كلها أمور معيقة ولا يمكن تغييرها في سنوات محدودة. كما رفض الخبير الاقتصادي أيضا أن تكون الصناديق العربية مستقلة في قراراتها عن ضغوط البنك الدولي، وإن كان يعتقد فعلا أن الصين مستقلة، لكنه يتساءل هل هي مستعدة فعلا لسد الثغرة؟.